هل إذا تتبعت القواعد الحديثية ... من تجميع طرق الحديث الواحد ... من اعتبارات تامة و ناقصة،ثم الشواهد، و المقارنة بينها،مع طول العمر و الممارسة المستمرة، فوجدتني أخالف جِهْبِذا من جهابذة الحديث ... فلا يسعني إلا الاستمساك بغرزه و السير في دربه؟!!
ـ[الحارث بن علي]ــــــــ[23 - 03 - 10, 10:40 م]ـ
السلام عليكم:
ليست القضية مجرد تتبع القواعد الحديثية ... من تجميع طرق الحديث الواحد ... من اعتبارات تامة و ناقصة،ثم الشواهد، و المقارنة بينها،مع طول العمر و الممارسة المستمرة.
ليست بهذا وحده يكون المرء مؤهلا لأن يجاري أولئك الأئمة الجهابذ، بل الأمر ادق من هذا كله.
فأين الفهم لدقائق علم العلل، وأين حفظ مرويات كل راوٍ؟ وأين تمييز أوهام الرواة؟ بل أين ضبط منهج أئمة الحديث المتقدمين؟
وهل تظن ان في المتأخرين من يحسن هذا الأمر كما يحسنه المتقدمون؟.
فمن هذا الذي من المتأخرين من حاز ادوات الاجتهاد التي عند المتقدمين، حتى ينهض مجرد مناقشا لهم فضلا عن مجاراتهم، ومن المتأخرين من يستحضر الأسانيد والروايات، والعلل، ومن من المتاخرين من يقوم لتمييز استقامة المتن؟!!!!
واضرب لك بعض امثلة على جهل المتأخرين لدقائق هذا الفن.
صحيحفة: أبي صالح عبد الله بن صالح، عنمعوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
المتقدمون على قبولها، إلا ما علم نكارته، والمتاخرون - خلا ابن حجر – على ردها مطلقا.
وهذه روايات أبي الزبير عن جابر: المتأخرون على ردها، والمتقدمون على قبولها.
وهذه عنعنة الزهري وأبي اسحاق السبيعي، وابن جريج والوليد بن مسلم وغيرهم، المتأخرون على ردها، والمتقدمون على قبولها، ما لم يثبت أنهم دلسوه عن ضعيف.
وقال احمد في سعد بن سنان - ويقال: سنان بن سعد - أحاديثه لا تشبه احاديث أنس، ولو تدبرتها لوجدت انها تشبه أحاديث الحسن البصري.
فهل في المتاخرين من يجد هذا الذوق؟!
وهذا أبو داود يقول في رسالته لأهل مكة: الغريب لا يقبل ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد القطان والثقات من أئمة أهل العلم.
والمتأخرون يقولون زيادة ثقة وزيادة الثقة مقبولة.
وثمة احاديث جزم المتقدمون على انه لا يصح فيها، كحديث تخليل اللحية، وفضل ليلة النصف من شعبان، ووجوب التسمية على الوضوء، والنهي عن اتيان النساء في الدبر، وتبييت نية الصيام من الليل .... وغيرها.
كل هذا؛ المتاخرون لايحسنونه فيصححونه، ويقيمونه، كأن المتقدمين لا يحسنون هذا الأمر حين ضعفوها، وكأنهم لم يقفوا على كل طرقه، وفاتهم من طرقها ما يمكن ان يتعقبه المتأخرون عليه!.
فهل ياترى أحسن المتأخرون هذا الفن، وفهموا دقائقه، وأصوله، وضبطوا قواعده، حين جمعوا الطرق ونظروا - بزعمهم، وزعمكم - ثم ترجح عندهم تصحيحها؟
لقد كان هذا الأمر عن المتقدمين قواعد خاضعة للقرائن، وهو عند المتأخرين قواعد جافة كعصى الأعمى، صارت قوالب بليدة، يرد بها علم المتقدمين الذين أصلوا هذا الفن، وعلوا صرحه، وأقاموا بنيانه.
فكل عنعنة من مدلس مردودة! وكل تفرد من ثقة مقبول! وكل متابع وشاهد ينهض للتقوية - الا ماشء الله - وكل مرسل ضعيف! وكل موقوف يعضد المرفوع ويسنده!
فأن عقل المستبصر الرشيد؟ حتى يقبل خلاف ما عليه المتقدمون - وهم أهل الشأن - وأين علم من يدعي العلم، بل من يزعم انه شم رائحة هذا العلم حتى يستجيز ما أقره المتأخرون على خلاف المتقدمين، وما فهمه المتأخرون على خلاف فهم المتقدمين.
فلا والله ليس في المتأخرين من بعد الدارقطني من يحسن هذا الفن كما كان يحسنه أولئك الفحول الحفاظ الموفقون المهديون، وأنا أرجو الله إن ان أكون مصيبا إذا ما قلت: إنه لا يحل اليوم تدريس كتب المصطلح التي ألفها المتاخرون من لدن الخطيب البغدادي وحتى يومنا، إلا ان يدرسها رجل يحسن ما فيها من طامات وأوابد ويميز مافيها من بلايا علمية، قلبت علينا فهم منهج وعلوم وقواعد وإصطلاحات أءمة الحديث المتقدمين.
وانظروا مباحث المتواتر والأحاد، والمنكر، والغريب، والشاذ، والمعضل، والمتابعات والشواهد، والعلل، ليس باب من أبواب علوم الحديث إلا ودخل علينا فيه تحرف المتاخرين لهذا العلم.
فالله المستعان، وإلى الله نشكوا غربة العلم واهله، وهسى ربنا أن لا يضلنا، وان يهدنا سواء الصراط.
*****
تنبيه: يعلم الله لا أريد ان اكثر من علامات التعجب التي يكثر من إيراد أمثال - علي الحلبي - حتى صارت علامة عليهم، ولكن ما ذكرتموه يضحك الثكلى، ويثير عجب العبد العليم.
ملاحظة: قد ذكرت قول احمد في سعد بن سناد، وقول أبي داود لأهل مكة، وهي ليست بنصها عنهما، لآني إنما اكتب ارتجالا، وبغياب أصولي، فليرجع إلى الأصول.