وأخطأ أيضاً الألباني رحمه الله (الصحيحة 1833، 4/ 449) في ردّه علَى ابن المديني في أن إسماعيل أخذه عن ابن أبي يحيى، فقال: ((هذه دعوى عارية عن الدليل إلا مجرد الرأي، و بمثله لا ترد رواية إسماعيل بن أمية، فإنه ثقة ثبت كما قال الحافظ في "التقريب"، لاسيما و قد توبع. فقد رواه أبو يعلى في "مسنده" (288/ 1) من طريق حجاج بن محمد، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع به. لكن لعله سقط شيء من إسناده)). اهـ

قلتُ: زعم رحمه الله استناداً إلى مسند أبي يعلى أن حجاجاً تابع إسماعيل عن أيوب! وهذا غلط غريب. فرواية المسند في سندها سقطٌ لا محالة: ((حدثنا سريج بن يونس: حدثنا حجاج بن محمد، عن أيوب بن خالد)). وآيةُ ذلك، أن أبا الشيخ في العظمة قد أخرجه عن أبي يعلى نفسه دون هذا السقط: ((حدثنا أبو يعلى: حدثنا سريج بن يونس: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد)). فاتضح أن راوي المسند أو ناسخه أسقط رجلَين من السند! فكيف يُعتضد بهذا الخطأ؟ فقول الألباني: ((لا سيما وقد توبع)) باطل، وهو قد أقرّ بنفسه رحمه الله أنّ بالسند سقطاً، فسبحان الله.

الرد على من زعم متابعة عطاء لعبد الله بن رافع

حديث الأخضر بن عجلان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة، أخرجه النسائي في الكبرى (11392). والأخضر بن عجلان ليس من رجال الصحيح، وهو صدوق (تقريب التهذيب 1/ 97).

وقد رواه الأخضر عن ابن جريج، إلا أنه وهم وخالف باقي الرواة وقال: عن عطاء عن أبي هريرة، وقال الباقون: عن إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة. أما متن الحديث، فقد زاد في أوله: ((يا أبا هريرة، إن الله خلق السماوات والأرضين وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع)). وزاد في آخره: ((وخلق أديم الأرض أحمرها وأسودها وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله عز وجل من آدم الطيب والخبيث)). وقد أدخل الأخضرُ حديثاً في حديث! فهذه الزيادة الأخيرة رواها ابن جريج أيضاً ولكن من حديث ابن عباس موقوفاً: ((خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة. وخلقه من أديم الأرض كلها، أحمرها وأسودها وطيبها وخبيثها، ولذلك كان في ولده الأسود والأحمر والطيب والخبيث)) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (5580).

قال المعلمي: ((في صحة هذه الرواية عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح نظر لا أطيل ببيانه)). اهـ (الأنوار الكاشفة 186). ومن هنا، فلا يصحّ اعتبار عطاء متابِعاً لعبد الله بن رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث، وسقط الاعتضاد برواية النسائي.

يتبع ..

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[28 - 03 - 09, 05:20 م]ـ

تدليس ابن جريج

حينئذ يتبيّن لك أن كل الطرق تنتهي إلى ابن جريج وإبراهيم بن أبي يحيى، وهنا مكمن الآفة كما ستعرف تفصيلها. فإن ابن جريج مدلّس، وكان يأخذ عن إبراهيم بن أبي يحيى.

وهنا سؤال: ابن جريج قال في السند "أخبرني إسماعيل بن أمية" فكيف يُحكم على حديثه بالتدليس؟

وجوابه: أن تدليس ابن جريج مِن أغمض أنواع التدليس، فإنه كان يدلّس في الصيغ أيضاً فضلاً عن التسوية. قال يحيى بن سعيد (تهذيب الكمال 18/ 351): ((كان ابن جريج صدوقاً، فإذا قال: "حدثني" فهو سماع، وإذا قال: "أنبأنا" أو "أخبرني" فهو قراءة، وإذا قال: "قال" فهو شبه الريح)). اهـ

وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وهم الذين قال فيهم: ((الثالثة: مَن أكثر من التدليس، فلم يحتجّ الأئمة من أحاديثهم إلاّ بما صرّحوا فيه بالسماع. ومنهم مَن ردّ حديثهم مطلقاً، ومنهم مَن قَبِلَهم)). اهـ

وسماعُ ابن جريج من إسماعيل بن أمية غير متحقق في هذا الحديث، بل رواه ابن جريج إجازة أو وجادة وقال: "أخبرني". وقد تتبَّع يحيى بن سعيد أحاديث ابن جريج، فوقف على هذا الأمر ونبّه إليه.

وهنا سؤال: هل يُحتجّ بحديث المدلِّس إن كان إجازة أو وجادة؟ قال ابن حجر (النكت 633): ((وأورد الخطيب هنا أنه ينبغي ألاّ يُقبل من المدلِّس "أخبرنا" لأن بعضهم يستعملها في غير السماع. وأجاب أن هذه اللفظة ظاهرها السماع، والحَملُ على غيره مجاز، والحمل على الظاهر أولى. وما أجاب به جيد فيمن لم يوصَف بتدليس الصيغ أيضاً، فقد ثبت عن أبي نعيم الأصبهاني أنه كان يقول في الإجازة "أخبرنا" وفي السماع "حدثنا")). اهـ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015