فيعمد المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل , كالعنعنة ونحوها , فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل ولذلك كان شر أقسام التدليس , ويتلوه الأول ثمالثاني (4) وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلا أن لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث , وبعضهم لا يقبل حديثه مطلقا , والأصح الأول كما قال الحافظ ابن حجر (5) على تفصيل لهم في ذلك فليراجع من شاء كتب " المصطلح ".
القاعدة الرابعة رد حديث المجهول
قال الخطيب في " الكفاية " (ص 88):
" المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به , ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد ".
وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم كذلك.
قلت: إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه , وقد زعم قوم أن عدالته تثبت بذلك.
ثم ذكر فساد قولهم في باب خاص عقب هذا فليراجعه من شاء.
قلت: والمجهول الذي لم يرو عنه إلا واحد هو المعروف بمجهول العين , وهذه هي الجهالة التي ترتفع برواية اثنين عنه فأكثر, وهو المجهول الحال والمستور , وقد قَبل روايته جماعة بغير قيد , وردها الجمهور كما في " شرح النخبة " (ص 24) قال: " والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها, بل يقال: هي موقوفة إلى استبانة حاله , كما جزم به إمام الحرمين "
قلت: وإنما يمكن أن يتبين لنا حاله بأن يوثقه إمام معتمد في توثيقه , وكأن الحافظ , أشار إلى هذا بقوله: إن مجهول الحال هو الذي روى عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق " , وإنما قلت: " معتمد في توثيقه " لأن هناك بعض المحدثين لا يعتمد عليهم في ذلك , لأنهم شذوا عن الجمهور فوثقوا المجهول , منهم ابن حبّان , وهذا ما بينته في القاعدة التالية.
نعم يمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع من الثقات , ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه , وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم.
(وانظر بعض الأمثلة فيما يأتي 204 - 207).
يُتبع بإذن الله ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " مقدمة ابن الصلاح " (ص 8).
(2) " شرح النخبة " لابن حجر (ص 13 - 14).
(3) " المقدمة " (ص 103 - 104).
(4) انظر " المقدمة " وشرحها للحافظ العراقي (ص 78 - 82).
(5) شرح النخبة (ص 18).
ـ[سمير السكندرى]ــــــــ[30 - 04 - 08, 06:18 ص]ـ
القاعدة الخامسةعدم الاعتماد على توثيق ابن حبان
قد علمت مما سبق آنفا أن المجهول بقسميه لا يقبل حديثه عند جمهور العلماء , وقد شذ عنهم ابن حبان فقبل حديثه , واحتج به وأورده في " صحيحه " ,
قال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان ": " قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قِلَّته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر , ولو كان ممن يروي المناكير , ووافق الثقات في الأخبار , لكان عدلا مقبول الرواية , إذ الناس أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح [فيجرح بما ظهر منه من الجرح] , هذا حكم المشاهير من الرواة , فأما المجاهيل
الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها " " الضعفاء " (2/ 192 - 193) والزيادة من ترجمة عائذ الله المجاشعي. ثم قال الحافظ: "
قلت: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة حتى يتبين جرحه مذهب عجيب , والجمهور على خلافه , وهذا مسلك ابن حبان في " كتاب الثقات " الذي ألفه , فإنه يذكر خلقا نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون , وكأن عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور , وهو مذهب شيخه ابن خزيمة , ولكن جهالة حاله باقية عند غيره " هذا كله كلام الحافظ.
¥