- قلت: وهو الذي جاء بهذا الدعاء إلى خراسان فسمعه منه مشايخها ووجوهها ورووه عنه وصدقوه فيه، ومثله في فضله الذي حكيت عن المشايخ لا يُتَّهَم بالكذب والاختلاق، ومع ذلك فقد رواه غيره بغير هذا الاسناد وجمعت الطرق في موضع آخر وهذا القدر هاهنا كاف (25).

تصحيحه لنسخة أبي الدُّنيا الأشجِّ المكذوبة:

قال الحسكاني أخبرنا القاضي أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله الرشيدي وأبو سعيد بن أبي رشيد، وأبو عثمان بن أبي بكر الزعفراني وأبو عمرو بن أبي زكريا الشعراني وغيرهم، قالوا: أخبرنا أبو بكر المفيد بجرجرايا حدثنا أبو الدنيا الأشج المعمر قَالَ: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لما نزلت (وتعيها أذن واعية) قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي.

هذه نسخة صححتها وتكلمت بما فيها في كتاب الحاوي لأعلى المرقات في سند الروايات (26).اهـ

أقول إن هَذَا الإسناد من الأسانيد المكذوبة الَّتِيْ اختلق بها أبو الدُّنيا الأشجّ الدَّجال الأفَّاك عدَّة روايات عن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقد زعم أنَّه كان يمشي في الصَّحراء ثم شرب من بئر فيها، فأتاه رجل فَقَالَ له إنك ستعيش ثلاث مئة عام

* وقد حكم شيخ الحسكاني الإمام أبو عبد الله الحاكم رَحِمَهُ اللهُ في النَّوع الأوَّل من كتابه " معرفة علوم الحديث " بأنه لا يحتجُّ به، فَقَالَ:

(( ... وأعجب من ذلك ما حدثناه جماعة من شيوخنا عن أبي الدنيا واسمه عثمان بن الخطاب بن عبد الله المغربي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقالوا: إن أبا الدنيا خدم أمير المؤمنين ورفسته بغلته وإنه كان يستسقى به بالمغرب، ولقد حضرت مجلس أبي جعفر محمد بن عبيد الله العلوي بالكوفة فدخل شيخ أسود أبيض الرأس واللحية، فقال لنا: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا ينسب إلى أبي الدنيا المغربي، مولى أمير المؤمنين بأربعة آباء.

قال أبو عبد الله: وفي الجملة أن هذه الأسانيد وأشباهها كخراش بن عبد الله، وكثير بن سليم، ويغنم بن سالم بن قنبر مما لا يفرح بها، ولا يحتج بشيء منها وقل ما يوجد في مسانيد أئمة الحديث حديث واحد عنهم ... )) (27) اهـ

* وقال الذَّهبي رَحِمَهُ اللهُ في ميزان الاعتدال، في ترجمة هَذَا الدَّجَّال الأفَّاك المغربي:

((عثمان بن خطاب، أبو عمر البلوى المغربي، أبو الدنيا الأشج، ويقال ابن أبي الدنيا، طير طرأ على أهل بغداد، وحدث بقلة حياء بعد الثلاث مائة عن على بن أبي طالب، فافتضح بذلك، وكذبه النقاد)) (28).

* وقال أيضا ((أبو الدنيا الأشج المغربي، كذاب طرقي، كان بعد الثلاث مائة، ادعى السماع من على بن أبى طالب قد مر ... وبكل حال فالأشج المعمر كذاب من بابة رتن الدجال وجعفر بن نسطور وحواش [لعل الصواب: خراش]، وربيع بن محمود الماردينى، وما يعنى برواية هذا الضرب ويفرح بعلوها إلا الجهلة)) (29).

* وقال ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في لسان الميزان، بعد أن نقل كلام الذهبي وزاد عليه نقولات تضاربت فيها أقوال هَذَا الكذَّاب (( ... فإذا تأملت هذه الروايات ظهرت على تخليط هذا الرجل في اسمه ونسبه ومولده ومن عمره وأنه كان لا يستمر على نمط واحد في ذلك كله فلا يغتر بمن حسن الظن به والله أعلم)) (30).

أقول: إنَّ تصحيح أحاديث هَذَا الكذَّاب من التَّساهل البيِّن، وطلب للعلوِّ بالمكذوب، ويستنتج منه أنَّ الحسكاني كان من المتساهلين في قبول الأخبار والرِّوايات، ولعل بعض الواهيات والمكذوبات الَّتِيْ أخرجها في كتابه من بابة هَذَا الإسناد.

دفاعه عن رواية (نذر علي وفاطمة رضي الله عنهما صيام ثلاثة أيام)، وزعمه أنَّ سورة " الإنسان " مدنيَّة وليست مكِّيَّة

قال في الشواهد: اعترض بعض النواصب على هذه القصة بأن قال: اتفق أهل التفسير على أن هذه السورة مكية، وهذه القصة كانت بالمدينة - إن كانت - فكيف كانت سبب نزول السورة، وبان بهذا أنها مخترعة!

قلت: كيف يسوغ له دعوى الاجماع مع قول الاكثر: إنها مدنية! (31)

ولم أنته من تخريج هذه الرواية والحكم عليها إلى الآن، ولم أقف على من قَالَ إن سورة الإنسان مكيَّة بعد بحث سريع في كتب أهل العلم، وسأحرر هذه المسألة إن كتب الله ويسَّر فيما بعد، لأنها خارجة عن المقصود من هَذَا البحث.

يتبع إن شاء الله

_______

(1) تاريخ الإسلام، وانظر كلامه في السير، وتذكرة الحفاظ، الذي سبق نقله.

(2) (ق/38) نقلا عن مقدِّمة تحقيق المحمودي لشواهد التنزيل للحسكاني (1/ 11)

(3) الشواهد (1/ 44).

(4) الشواهد (1/ 100).

(5) الشواهد (1/ 105).

(6) الشواهد (1/ 161).

(7) الشواهد (1/ 490).

(8) الشواهد (1/ 493).

(9) الشواهد (1/ 504).

(10) الشواهد (1/ 541).

(11) الشواهد (1/ 582).

(12) الشواهد (2/ 7).

(13) الشواهد (2/ 55).

(14) الشواهد (2/ 68).

(15) الشواهد (2/ 92).

(16) الشواهد (2/ 125).

(17) الشواهد (2/ 212).

(18) الشواهد (2/ 248)

(19) الشواهد (2/ 287).

(20) الشواهد (2/ 341).

(21) الشواهد (2/ 361).

(22) فضائل شهر رجب (2/ 494).

(23) فضائل شهر رجب (2/ 495).

(24) فضائل شهر رجب (2/ 500).

(25) فضائل شهر رجب (2/ 511).

(26) الشواهد (2/ 361) رقم: 1007.

(27) معرفة علوم الحديث ص10 ط مكتبة طبرية، وص 122 ت السَّلُّوم.

(28) ميزان الاعتدال (3/ 33).

(29) ميزان الاعتدال (4/ 522).

(30) لسان الميزان (5/ 386) ط أبو غدة

(31) الشواهد (2/ 409).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015