قال أحمد بن خالد: (لما كان ظاهر هذا الحديث في الإمام والفذ؛ قال أبو السائب لأبي هريرة: إني أحيانًا أكون وراء الإمام، فقال له أبو هريرة: " اقرأ بها في نفسك يا فارسي "، يعني: تدبرها في نفسك إذا قرأها الإمام، وذلك أن تدبره إياها في نفسه إذا قرأها الإمام لا يمنعه من الإنصات لقراءة الإمام، ولا ينازعه بتدبره إياها قراءته، وقد قال الله عز وجل: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}، قال ابن المسيب: " إنما ذلك في الصلاة إذا قرأ بها الإمام فيها
وجهر ").
قال أحمد: (فإن قيل: قد روى عبادة بن الصامت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فصاعدًا»؛ قيل لقائل هذا الحديث: قد فسَّر ذلك ابن عيينة -وهو الذي رواه-، قال: معنى هذا الحديث لمن صلى وحده).
قال أحمد: (وقد أجمع المسلمون على أن من أدرك الإمام راكعًا فركع معه أن ركعته مجزية عنه، وأن الإمام قد حمل عنه قراءة أم القرآن، والإمام لا يحمل عن المأموم فرضًا،
فإن قيل: قد روى مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت أنه قال: " صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة العشاء، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟»، قلنا: أجل، قال: «فلا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنه لا صلاة إلا بها» "؛ قيل لمن احتج بهذا الحديث: مكحول الذي رواه اضطرب فيه؛ فمرة قال: " العشاء "، ومرة قال: " الصبح "، ومرة أرسله ولم يسنده.
وفي الحديث الثابت: أن الناس انتهوا عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما جهر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة، وقد كان علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر لا يقرؤون خلف الإمام، يجتزئون بقراءة الإمام؛ [وأنه] كفي بها.
ولا حجة على من زعم أنه من لم يقرأ مع إمامٍ بأم القرآن فصلاته باطلة، ويلزم من قال بهذا أن يُبطل صلاة هؤلاء الأئمة).
انتهى.
والحافظ ابن الجباب ترجمه الذهبي في السير (15/ 240، 241)، فقال -ملخَّصًا-:
ابن الجباب، الإمام الحافظ الناقد، محدث الأندلس، أبو عمر، أحمد بن خالد بن يزيد القرطبي، ويعرف بابن الجباب، وهي نسبة إلى بيع الجباب ... سمع بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح، وقاسم بن محمد، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وطبقتهم ...
وكان من أفراد الأئمة، عديم النظير، قال القاضي عياض: كان إمامًا في الفقه لمالك، وكان في الحديث لا ينازع، سمع منه خلق كثير ...
وقال بعضهم: ما أخرجت الأندلس حافظًا مثل ابن الجباب، وابن عبد البر.
وتُنظر المراجع المُحال إليها في حاشية السير.
والله أعلم.
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[09 - 07 - 08, 10:18 ص]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك
بحث قيم وجهد مشكور
زادك الله من فضله
ـ[عبدالله الميمان]ــــــــ[06 - 12 - 09, 08:47 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي محمد بن عبدالله على هذا البحث الأكثر من ماتع
وأسأل الله لك التوفيق والسداد
بالنسبة لكلام الإمام أحمد رحمه الله في إعلال الحديث في رواية الأثرم عنه والتي نقلها الأخ المقرئ أثابه الله فقد رجعت إلى الانتصار ووجدت اللفظ هكذا (ورجاء بن حيوة لا يعرفه) وعلق عليها المؤلف باستغرابه من ذلك ولم يذكر نسخة أخرى فكيف عرفتم صحة هذه اللفظة؟