وقبل دخولي في بيان المؤخذات على (نزهة النظر)، أحيل القارىء الكريم إلى كلامٍ سابقٍ لي، اعتذرت فيه عن تكرير ديباجة الاعتذار عند كل نقدٍ علمي موضوعي (4)، فلا تأثم – لا أثمت – بسوء النية قبل الوقوف عليها ‍

أقول هذا لما لـ (تزهة النظر) من قدسيةٍ لا تنال عند أهل عصري، وكأنها كتاب ناطق أو سنة ماضية ‍‍

وليس عندي – بحمد الله – لغير كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرشدا إليه قدسية، فالكتاب وحده الذي اختص بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الثابتة وحدها المعصوم صاحبها صلى الله عليه وسلم، وما أرشدا إليه وحده هو شرع الله العظيم الكامل التام.

وليس عندي أيضاً ـ بحمد الله ـ أدنى شك في أهمية كتاب (نزهة النظر)، وفي كثيرٍ من مباحثه الجليلة العظيمة النفع.

كل ما في الأمر أني رأيت لـ (نزهة النظر) في بعض مباحثه منهجاً غريباً على علوم السنة، وغاية أغرب في تفسير مصطلحاتها. وأحسب هذا المنهج والغاية خطيرين على السنة النبوية وعلومها، فلم أر الأمر يسعني بالسكوت عن ذلك.

وإياك إياك أن تتفرس الأسطر، وتقرأ ما بينها (بزعمك)، لتقول علي ما لم أقل، وتنسب ‘لي ما لا علاقة لي به. فمرادي هو المنطوق دون المفهوم ‍ ولازم مذهبي بلازم ‍‍

والله يعينني وإياك على طريق الحق وقبوله ‍‍

وأقول هذا، لنه قد بلغ الأمر على درجة أن الناظر في (نزهة النظر) يحسب أن الحافظ يصنف في بيان مصطلحه الخاص به، أو أن للحافظ الحق في التحكم بمصطلحات المحدثين، بتصويب هذا وتخطيء ذاك، وباختيار مدلول دون آخر، وبابتداع فروق وقيود جديدة على المصطلحات ومعانيها‍

بل لقد قيل لي مرة، عندما عرضت رأيي من هذه المسألة، وهوجم ـ بالطبع للدفاع عن (النزهة)، قيل لي: لا مشاحة في الاصطلاح، والحافظ حر فيما يقول ويصطلح ‍

فقلت جواباً عن هذا ـ ولا حاجة لهذا إلى جواب، بعد بيان خطر (فكرة تطوير المصطلحات) وخططها (1) ـ: لقد سمى الحافظ كتابه بـ (نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر)، ولم يقل: في (مصطلح) ‍‍‍

أما أدلة هذا الهجوم (عند من لا يعرفني مع الحافظ والنزهة)، والبيان والتوضيح للحق (عند من يعرفني معها)،

فالآتي:

حيث يبدأ عمق التأثر بعلم المنطق بالوضوح، من حيث النظر في ترتيب (النزهة)، الترتيب المغاير لكل الكتب السابقة في علوم الحديث. فالكتاب مبني في ترتيبه على أساس (التقسيم العقلي) (2). عند المناطقة، أو ما يشبه (السبر والتقسيم) (3) المعروف عند الأصوليين في مسالك العلة من باب القياس.

وليس في هذا الترتيب مؤاخذة على الحافظ، لكن ذلك يدل على تغلغل أثر (علم المنطق) وتعمق (الأصول) في فكر الحافظ ومنهجيته،، إلى درجة بناء الكتاب في ترتيبه على أساسها. ثم أول ما يبدأ به الكتاب: تقسيم الأخبار إلى (متواتر) و (آحاد)، وقد خطا الحافظ في هذا التقسيم خطوةً جديدة، دالةً على مزيد تأثره بأصول الفقه على ابن الصلاح. وقد سبق ذكر بعض ما يتعلق بذلك (4)، وقي أشياء لا أطيل بها ‍

وفي أثناء هذا التقسيم، وعند كلامه عن أقسام (الآحاد)، حصر الحافظ (العزيز) فيما لم يروه أقل من أثنين عن اثنين (5)، و (المشهور) فيما رواه ثلاثة فصاعداً، ما لم يبلغ حد التواتر (6).

مع أن الذي قرره أبو عبد الله ابن منده (ت 301هـ)، وهو من (أهل الاصطلاح)، وتابعه ابن الصلاح: أن (العزيز) ما رواه اثنان أو ثلاثة (7).

فما حجة الحافظ في ذلك الحصر؟ ‍‍ وفي مخالفة أهل الاصطلاح؟ ‍‍‍

وفي أثناء ذلك المبحث أيضاً، بل في آخره، تعرض الحافظ لمصطلحي (المرسل) و (المنقطع)، كما أنه تعرض لهذين المصطلحين في موضعهما من بيان أنواع السقط في الإسناد.

وخلاصة ما ذهب إليه هو أن:

(المرسل): ما سقط من آخره من بعد التابعي (1).

و (المنقطع): ما سقط من أثنائه واحد، أو أكثر بشرط عدم التوالي (2).

وقال: ((أكثر المحدثين على التغاير، لكنه عندإطلاق الاسم. وأما عند استعمل الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط، فيقولون: أرسله فلان، سواء كان ذلك مرسلاً أو منقطعاً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015