ذكر الصابوني في مقاله السادس الذي بدأه بقوله: (هذا بيان للناس. إن التأويل لبعض آيات وأحاديث الصفات لا يخرج المسلم عن جماعة أهل السنة، فمنه ما هو خطأ ومنه ما هو صواب، وهناك آيات صريحة في التأويل أولها الصحابة والتابعون وعلماء السلف وما يتجرأ أحد أن ينسبهم إلى الضلال أو يخرجهم عن أهل السنة والجماعة، ثم ضرب لذلك أمثلة منها قوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ومنها ما ذكره سبحانه من استهزائه بالمستهزئين وسخريته من الساخرين بالمؤمنين ومكره بالماكرين وكذلك أيضا الحديث الصحيح عن قول الله عز وجل: " مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني " إلى أن قال. . إذن ليس الأمر كما يظن البعض أن مذهب السلف ليس فيه تأويل مطلقا بل مذهب السلف هو تأويل ما لا بد من تأويله) ا. هـ.

والجواب أن يقال:

هذا الكلام فيه تفصيل وفيه حق وباطل، فقوله: (إن التأويل لبعض الصفات لا يخرج المسلم عن جماعة أهل السنة " صحيح في الجملة؛ فالمتأول لبعض الصفات كالأشاعرة لا يخرج بذلك عن جماعة المسلمين ولا عن جماعة أهل السنة في غير الصفات، ولكنه لا يدخل في جماعة أهل السنة عند ذكر إثباتهم للصفات وإنكارهم للتأويل، فالأشاعرة وأشباههم لا يدخلون في أهل السنة في إثبات الصفات لكونهم قد خالفوهم في ذلك وسلكوا غير منهجهم وذلك يقتضي الإنكار عليهم وبيان خطئهم في التأويل، وأن ذلك خلاف منهج أهل السنة والجماعة كما تقدم بيانه في أول هذه التنبيهات، كما أنه لا مانع أن يقال إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة في باب الأسماء والصفات وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى حتى يعلم الناظر في مذهبهم أنهم قد أخطئوا في تأويل بعض الصفات وخالفوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان في هذه المسألة تحقيقا للحق وإنكارا للباطل وإنزالا لكل من أهل السنة والأشاعرة في منزلته التي هو عليها.

لا يجوز نسبة تأويل الصفات إلى السلف بحال من الأحوال

ولا يجوز أن ينسب التأويل إلى أهل السنة مطلقا بل هو خلاف مذهبهم وإنما ينسب التأويل إلى الأشاعرة وسائر أهل البدع الذين تأولوا النصوص على غير تأويلها. أما الأمثلة التي مثل بها الأخ الصابوني للتأويل عند أهل السنة فلا حجة له فيها وليس كلامهم فيها من باب التأويل بل هو من باب إيضاح المعنى وإزالة اللبس عن بعض الناس في معناها،

وهاك الجواب عنها: أما قوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ فليس المراد بالنسيان فيها النسيان في قوله تعالى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وفي قوله تعالى فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى بل ذلك له معنى والنسيان المثبت له معنى آخر فالنسيان المثبت في قوله تعالى نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ هو تركه إياهم في ضلالهم وإعراضه عنهم سبحانه لتركهم أوامره وإعراضهم عن دينه لنفاقهم وتكذيبهم. والنسيان المنفي عن الله سبحانه هو النسيان الذي بمعنى الذهول والغفلة، فالله سبحانه منزه عن ذلك لكمال علمه وكمال بصيرته بأحوال عباده وإحاطته بكل شئونهم فهو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ولا ينسى ولا يغفل - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وبذلك يعلم أن تفسير النسيان بالترك في قوله تعالى الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ الآية ليس من باب التأويل ولكنه من باب تفسير النسيان في هذا المقام بمعناها اللغوي؛ لأن كلمة النسيان مشتركة يختلف معناها بحسب مواردها كما بين ذلك علماء التفسير رحمهم الله، قال الحافظ بن كثير رحمه الله في معنى الآية ما نصه: نَسُوا اللَّهَ أي نسوا ذكر الله، فنسيهم: أي عاملهم معاملة من نسيهم كقوله تعالى وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ا. هـ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015