وإذا كان كذلك، فالجمع أولى من نصب الإشكال والمعارضة بين الروايات؛ فإن عبد الله بن أُبَيّ هو الذي تولى كبره فاخترع حادثة الإفك مع صحبة من المنافقين وروّجه في المدينة، وكان يصول ويجول، وهو الذي يجمع الناس في بيته ممن هم على شاكلته في الخبث والنفاق.

وكان يذيع ذلك ويردّده مع عصابته وأهل بيته، ولما انتشر الكلام في ذلك من قبلهم، وكانوا يتناقلونه فيما بينهم أَثّر ذلك في بعض المؤمنين، وصاروا يتكلمون به.

هذا الذي استقر عليه المحققون من أهل العلم، ويؤيده أن الآية الكريمة هدّدت الذي تولى كبره بالعذاب الأليم {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

وهذا التهديد يتناسب مع نفاق عبد الله ابن أُبَيّ، وأما من ذُكر من الصحابة كحسان ومسطح وحمنة –رضي الله عنهم- المشهود لهم بالخير -فإنهم لا يدخلون في هذا الوعيد كما هو ظاهر، وإنما يدخلون في مثل قوله

-تعالى-: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} [النور:12].

فهذا عتاب للمؤمنين الذين تورطوا وانخدعوا بإشاعات النفاق وأكاذيب المرجفين.

والآيات التي تضمنت قصة الإفك واضحة في سياقها: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ}، والعصبة من العشرة إلى الأربعين، بينما الصحابة الذين ذُكروا في الإفك ثلاثة، فعُلم أن المراد بالعصبة المُنافقِون، ثم ذكرت الآيات الذي تولى كبره من هذه العصبة، ولا شك أن هذا السياق والسباق يدل على واحد من هذه العصبة، وهو عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول.

وكان حسان –رضي الله عنه-، وكذا مسطح وحمنة ممن سارعوا إلى تصديق الخبر، وكبير هؤلاء هو حسان، فَذُكر –ومَن معه-بالتبعية، لا أنهم تولوا كبره أصالة، وإنما الذي تولاه عبد الله بن أُبَيّ المنافق، لكنهم حين قالوا بمقالته، ذكُروا معه تبعاً، فتكون كل رواية تخبر عن حال وعن مقال وعن مآل، وبذلك تجتمع الروايات -بحمد لله-.

وهذا فهمٌ أقوله تفقهاً واستنباطاً، فإن أصبت ووفقت فمن الله وحده، وإلا فمن نفسي والشيطان, والله أعلم.

منقول من موقع الشيخ سليم الهلالي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015