استفسار عن حديث أسأل عن حديث رواه البخاري في صحيحه< احتجم النبي وهو صائم>
ـ[حسان خادم الأربعين]ــــــــ[12 - 11 - 05, 02:35 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى العلماء الأجلاء، أنا طويلب علم أسأل عن حديث رواه البخاري في صحيحه< احتجم النبي وهو صائم> ومع ذلك قرأت لابن القيم رحمه الله تعالى كتابا ينكر فيه صحة الحديث، ولدى مراجعتي للموضوع في عدة مراجع لم أزدد إلا تشتتا بين مؤيد لرواية البخاري ومضعف لها، وأنا على ثقة كبيرة بعلم ابن القيم وعلو كعبه في علم الحديث وهذا ما أثار الإشكال لدي أرجو المساعدة جزاكم الله خيرا والسلام عليكم
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[14 - 11 - 05, 06:36 ص]ـ
هذا كلام الإمام ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن
قال المفطرون الثابت أن النبي احتجم وهو محرم
وأما قوله وهو صائم فإن الإمام أحمد قال لا تصح هذه اللفظة وبين أنها وهم ووافقه غيره على ذلك وقالوا الصواب احتجم وهو محرم وممن ذكر ذلك عنه الحلال في كتاب العلل
وقد روى هذا الحديث على أربعة أوجه أحدها احتجم وهو محرم فقط
وهذا في الصحيحين
الثاني احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم
انفرد به البخاري
الثالث احتجم وهو محرم صائم ذكره الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه
الرابع احتجم وهو صائم فقط
ذكره أبو داود
وأما حديث احتجم وهو صائم فهو مختصر من حديث بن عباس في البخاري احتجم رسول الله وهو محرم واحتجم وهو صائم
وأما حديث احتجم وهو محرم صائم فهذا هو الذي تمسك به من ادعى النسخ
وأما لفظ احتجم وهو صائم فلا يدل على النسخ
ولا تصح المعارضة به لوجوه أحدها أنه لا يعلم تاريخه ودعوى النسخ لا تثبت بمجرد الاحتمال
الثاني أنه ليس فيه أن الصوم كان فرضا
ولعله كان صوم نفل خرج منه
الثالث حتى لو ثبت أنه صوم فرض فالظاهر أن الحجامة إنما تكون للعذر ويجوز الخروج من صوم الفرض بعذر المرض
والواقعة حكاية فعل لا عموم لها
ولا يقال قوله وهو صائم جملة حال مقارنة للعامل فيها
فدل على مقارنة الصوم للحجامة لأن الراوي لم يذكر أن النبي قال إني باق على صومي وإنما رآه يحتجم وهو صائم فأخبره بما شاهده ورآه ولا علم له بنية النبي ولا بما فعل بعد الحجامة مع أن قوله وهو صائم حال من الشروع في الحجامة وابتدائها فكان ابتداؤها مع الصوم وكأنه قال احتجم في اليوم الذي كان صائما فيه ولا يدل ذلك على استمرار الصوم أصلا
ولهذا نظائر منها حديث الذي وقع على امرأته وهو صائم وقوله في الصحيحين وقعت على امرأتي وأنا صائم والفقهاء وغيرهم يقولون وإن جامع وهو محرم وإن جامع وهو صائم
ولا يكون ذلك فاسدا من الكلام فلا تعطل نصوص الفطر بالحجامة بهذا اللفظ المحتمل
وأما قوله احتجم وهو محرم صائم فلو ثبتت هذه اللفظة لم يكن فيها حجة لما ذكرناه ولا دليل فيها أيضا على أن ذلك كان بعد قوله أفطر الحاجم والمحجوم فإن هذا القول منه كان في رمضان سنة ثمان من الهجرة عام الفتح كما جاء في حديث شداد والنبي أحرم بعمرة الحديبية سنة ست وأحرم من العام القابل بعمرة القضية وكلا العمرتين قبل ذلك ثم دخل مكة عام الفتح ولم يكن محرما ثم حج حجة الوداع فاحتجامه وهو صائم محرم لم يبين في أي إحراماته كان وإنما تمكن دعوى النسخ إذا كان ذلك قد وقع في حجة الوداع أو في عمرة الجعرانة حتى يتأخر ذلك عن عام الفتح قال فيه أفطر الحاجم والمحجوم ولا سبيل إلى بيان ذلك
وأما رواية ابن عباس له وهو ممن صحب النبي بعد الفتح فلا نثير ظنا فضلا عن النسخ به فإن ابن عباس لم يقل شهدت رسول الله ولا رأيته فعل ذلك وإنما روى ذلك رواية مطلقة ومن المعلوم أن أكثر روايات ابن عباس إنما أخذها من الصحابة والذي فيه سماعه من النبي لا يبلغ عشرين قصة كما قاله غير واحد من الحفاظ فمن أين لكم أن بن عباس لم يرو هذا عن صحابي آخر كأكثر رواياته وقد روى ابن عباس أحاديث كثيرة مقطوع بأنه لم يسمعها من النبي ولا شهدها ونحن نقول إنها حجة لكن لا نثبت بذلك تأخرها ونسخها لغيرها ما لم يعلم التاريخ
وبالجملة فدعوى النسخ إنما تثبت بشرطين أحدهما تعارض المفسر
والثاني العلم بتأخر أحدهما
وقد تبين أنه لا سبيل إلى واحد منهما في مسألتنا بل من المقطوع به أن هذه القصة لم تكن في رمضان فإن النبي لم يحرم في رمضان فإن عمره كلها كانت في ذي القعدة وفتح مكة كان في رمضان ولم يكن محرما فغايتها في صوم تطوع في السفر وقد كان آخر الأمرين من رسول الله الفطر في السفر ولما خرج من المدينة عام الفتح صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر والناس ينظرون إليه ثم لم يحفظ عنه أنه صام بعد هذا في سفر قط ولما شك الصحابة في صيامه يوم عرفة أرسلوا أم الفضل إليه بقدح فشربه فعلموا أنه لم يكن صائما فقصة الاحتجام وهو صائم محرم إما غلط كما قال الإمام أحمد وغيره وإما قبل الفتح قطعا وعلى التقديرين فلا يعارض بها قوله عام الفتح أفطر الحاجم والمحجوم
وعلى هذا فحديث ابن عباس إما يدل على أن الحجامة لا تفطر أو لا يدل
فإن لم يدل لم يصلح للنسخ
وإن دل فهو منسوخ بما ذكرنا من حديث شداد فإنه مؤرخ بعام الفتح فهو متأخر عن إحرام النبي صائما وتقريره ما تقدم
وهذا القلب في دعوى كونه منسوخا أظهر من ثبوت النسخ به
وعياذا بالله من شر مقلد عصبي يرى العلم جهلا والإنصاف ظلما وترجيح الراجح على المرجوح عدوانا
وهذا المضايق لا يصيب السالك فيها إلا من صدقت في العلم نيته وعلت همته
وأما من أخلد إلى أرض التقليد واستوعر طريق الترجيح فيقال له ما هذا عشك فادرجي) انتهى.
يتبع بإذن الله تعالى فوائد ونقولات أخرى
¥