ـ[عبد]ــــــــ[08 - 06 - 05, 04:52 ص]ـ
روى مسلم في صحيحه: ((أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليه نفقة فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت)). أ. هـ.
قال النووى رحمه الله وجميع المسملين: ((قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا يضع العصا عن عاتقه) العاتق هو ما بين العنق والمنكب وفي هذا استعمال المجاز وجواز إطلاق مثل هذه العبارة في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يضع العصا عن عاتقه) وفي معاوية (أنه صعلوك لا مال له) مع العلم بأنه كان لمعاوية ثوب يلبسه ونحو ذلك من المال المحقر وأن أبا الجهم كان يضع العصا عن عاتقه في حال نومه وأكله وغيرهما ولكن لما كان كثير الحمل للعصا وكان معاوية قليل المال جدا جاز إطلاق هذا اللفظ عليهما مجازا , ففي هذا جواز استعمال مثله في نحو هذا وقد نص عليه أصحابنا وقد أوضحته في آخر كتاب الأذكار)). أ. هـ.
قلت: ومن هذا يستفاد أن ذكر المرء الغائب بما قد يكرهه من الوصف الزائد عن حقيقة حاله جائز ولا يدخل في الغيبة و البهتان المحرمين، ولكن بمراعاة الآتي:
- أن يغلب على الظن أمان الفتنة والمفسدة، وفي الحديث هذا مأمون لأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو من هو بأبي وأمي العدل الأمين الصدوق الطيب حياً وميتاً والمعنيون بخطاب الغائب عالمون بحال المتكلم ونزاهته مما لا يحملهم على إساءة الظن وكره مضمون الخطاب (لأن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره).
- أن يكون الوصف من باب المجاز.
- أن يكون من المجاز اليسير أو المعتدل في أقصى الأحوال و ذلك بأن يحكي غالب حال الشخص وألاّ يكون مفرطاً - أي المجاز - بحيث يحكي ماليس من غالب حال الشخص، كأن يكون الشخص ذا مال ثم يقال فيه أنه "صعلوك"، بل قد يصير هنا بهتاناً لا مجرد غيبة.
- ألاّ يكون القصد دنيئاً والنية سيئة.
- أن يكون المجاز وصفاً لحال قائمة موجودة غالبة - كما في عبارة الحديث - لا سخرية ولمزاً وطعناً مثل لو قال شخص لآخر:"إنه حمار" لوصف قلة فهمه، فإن هذا المجاز طعن وهو غيبة ظاهرة.
- أن يكون في مقام النصيحة لمنصوح من باب حثه على تحصيل الأصلح من الأمور وتنفيره ممّا يخشى ضرره.
- أن يستعمل بحسب حال المخاطب وظروف الخطاب، والمتأمل يجد نكتة لطيفة إذ أن المخاطب - فاطمة بنت قيس - ظهر من طبعه نوع حدّة وتمنّع من قبول عطاء الآخرين وقولهم:
1 - فأما عطاء الآخرين: فسخطها من صنيع زوجها لما بعث إليها الشعير.
2 - وأما قول الآخرين: فكرهها الأول لما عرضه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عليها من الزواج من أسامة.
فكان استعمال هذا المجاز المؤثر أدعى للتأثير فيمن هذه حاله فكان خطابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وهذا من حنكته وحكمته - مجازاً يبرز الجانب المحذور نصيحة للمخاطب لا نيلاً من الموصوف.
والله أعلم.
كتبه:
عبدالله بن سعيد الشهري.
ـ[السدوسي]ــــــــ[08 - 06 - 05, 09:10 ص]ـ
قلت: ومنه جواز المبالغة في الوصف
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أنس (قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حمارا، فانطلق المسلمون يمشون معه، وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، فشتمه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها نزلت: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}.
قال الحافظ في الفتح:
¥