ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[17 - 02 - 05, 05:11 ص]ـ
(القول الثالث) وصفه بالضعف وسوء الحفظ. قال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم. وقال الدارقطني: سيء الحفظ، ذكره عنهما الحافظ فى ((تهذيب التهذيب)) (11/ 198).
قلت: وفى البيان السالف رد على قوليهما، وكن على ذكر بما قلناه آنفاً: أن قول إمام الأئمة أحمد بن حنبل ((كان قد أتقن حديث ابن خثيم)) يفيدك ثلاث فوائد عزيزة:
(الأولى) وصفه بالإتقان والضبط لأحاديث عبد الله بن خثيمٍ المكى، وفيه دلالة على إتقانه لأحاديث أهل بلده.
(الثانية) تبرئته من الوصف بسوء الحفظ بإطلاقٍ، وفيه رد على قول الدارقطنى والحاكم أبى أحمد: كان سيئ الحفظ. ولا يشك العارف المدقق أن الإمام أحمد أعرف منهما، وممن أتى بعدهم بحاله، سيما وقد التقى به وحمل عنه حديثاً واحداً.
(الثالة) توثيق الإمام أحمد له فى روايتين عنه، خلافاً لمن زعم أن الإمام أحمد لم يوثقه.
(القول الرابع) قول أبى حاتم الرازى عنه: شيخ صالح محله الصدق ولم يكن بالحافظ، يكتب حديثه ولا يحتج به.
ولعل قائلا يقول: فلماذا جعلت قول أبى حاتم الرازى عن يحيى بن سليم الطائفى مستقلاً بنفسه، ولم تدرجه فى واحد من الثلاثة السوالف؟. فأقول: وذلك لأمرين:
(أولهما) خفاء معنى كلام أبى حاتم الرازى على الكثيرين ممن لم يمعن النظر والتدقيق فى أحكامه.
(ثانيهما) ما وقع فيه بعضهم من حمل كلامه عنه على تضعيفه إيَّاه، كهذا القائل محتجاً لتضعيف حديثه: ((شهد على ضعفه جمع، وأعدل ما قيل فيه قول أبى حاتم: شيخ صالح محله الصدق ولم يكن بالحافظ، يكتب حديثه ولا يحتج به)).
فاعلم أن أبا حاتم الرازى قد يذكر هذه العبارة ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) إما مطلقة، وإما مقيدة، وعندئذ يتنزل كلامه على التوثيق أو التضعيف باعتبار القرينة المصاحبة لهذه العبارة. فهاهنا ثلاثة مراتب:
[الأولى] من قال عنه ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) ولم يقيده بشئٍ، فهذا ينظر فى حاله عند غيره، فإن وثقه من فى طبقته ورتبته؛ كابن معين وأبى زرعة، فهو ثقة، وإلا فضعيف يعتبر، ولا يترك بمرة.
[الثانية] من قال عنه ((صالح الحديث أو صدوق أو محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به)) فهو ثقة عنده.
[الثالثة] من قال عنه ((ضعيف، أو ليس بقوى، يكتب حديثه ولا يحتج به)) فهو ضعيف.
ونزيدك إيضاحا وتبصيراً، بذكر خمسة عشر راوياً ممن ترجم لهم ابن أبى حاتم فى ((الجرح والتعديل))، وقال عنهم أبو حاتم ((يكتب حديثه ولا يحتج به))، وهم ثقات عند يحيى بن معين، وأحاديثهم مخرَّجة فى ((الصحيحين)) أو أحدهما:
(1) أسامة بن زيد الليثى، أبو زيد المدنى (2/ 284/1031).
(2) بشير بن المهاجر الغنوى (2/ 378/1472).
(3) خالد بن مهران الحذاء، أبو المنازل البصرى (3/ 352/1593).
(4) سعير بن الخمس التميمى، أبو مالك الكوفى (4/ 323/1411).
(5) شيبان بن عبد الرحمن النحوى، أبو معاوية البصرى (4/ 356/1561).
(6) شبابة بن سوار الفزارى، أبو عمرو المدائنى (4/ 392/1715).
(7) الضحاك بن عثمان الحزامى، أبو عثمان المدنى (4/ 460/2029).
(8) عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث القرشى المدينى (5/ 212/1000).
(9) عبد الرزاق بن همام الصنعانى صاحب معمر (6/ 38/204).
(10) محمد بن حمير بن أنيس السليحى الحمصى (7/ 239/1315).
(11) منصور بن عبد الرحمن الغدانى الأشل (8/ 174/772).
(12) الوليد بن شجاع السكونى، أبو همام الكوفى (9/ 7/28).
(13) يحيى بن أيوب الغافقى، أبو العباس المصرى (9/ 127/542).
(14) يحيى بن عبد الله بن بكير المصرى (9/ 165/682).
(15) يحيى بن سليم الطائفى، أبو زكريا القرشى (9/ 156/647).
فإذا اتضح لك ما أردناه بهذا البيان، فاعلم أن مقال أبى حاتم عن يحيى بن سليم، محمول على توثيقه إيَّاه، كنحو:
(1) مقاله عن إبراهيم بن الزبرقان التميمى.
قال ابن أبى حاتم (2/ 100/275): ((سألت أبى عنه، فقال: محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به. وأخبرنا العباس بن محمد الدوري قال سألت يحيى بن معين عن إبراهيم بن الزبرقان فقال: ثقة ثقة، روى عنه وكيع وغيره)).
(2) ومقاله عن إبراهيم بن ميمون الصائغ المروزى.
قال ابن أبى حاتم (2/ 134/425): ((ذكر أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: إبراهيم الصائغ ثقة. وسمعت أبى يقول: يكتب حديثه ولا يحتج به)).
(3) ومقاله عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري.
قال ابن أبى حاتم (2/ 430/1714): ((ذكر أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: بهز بن حكيم ثقة. وأخبرنا محمد بن أحمد بن البراء قال: قال على بن المديني: بهز بن حكيم ثقة. وسمعت أبى يقول: هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به)).
فى عشرات بل مئات من الثقات والصدوقين أمثال من ذكرنا.
¥