وإن كان المقصود أن ينزل المطر على قبره فإذاً كان قبره بحاجة إلى تنزل الرحمة عليه كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، مع أن تنزل المطر على قبره لا يظهر كونه سبباً للاستسقاء.
3 - أن من يستدل بهذا الأثر إنما يستدل به على التوسل بذات النبي –صلى الله عليه وسلم- كما هو وارد في السؤال أيضاً.
وهذا الاستدلال لا يستقيم حتى مع صحة الأثر ولو كان باتفاق الصحابة –رضي الله عنهم-، وذلك أن الأثر ليس فيه إلا فتح الكوى، فليس فيه أن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- أمرتهم بالتوسل بذاته –عليه الصلاة والسلام- وقالت: قولوا: اللهم اسقنا بنبيك أو بجاهه ونحو ذلك.
4 - أن هذا الأثر -على فرض صحته- هو من قبيل الموقوف عن عائشة –رضي الله عنها، وحينئذ فقد يكون اجتهاداً منها في هذه المسألة لم ينقل عن غيرها مثله، ومن استقرأ ما جاء عن الصحابة –رضي الله عنهم- تبين له أنهم لم يكونوا يتوسلون بذات النبي –صلى الله عليه وسلم-، مع أنهم أصدق الناس له حباً وأكملهم له اتباعاً، بل كانوا يتوسلون بدعائه –صلى الله عليه وسلم- في حياته، وأما بعد مماته فكانوا يدعون الله مباشرة، أو يطلبون ممن يرونه أصلح منهم وأتقى لله وأقرب إليه أن يدعوا لهم كما في قصة عمر –رضي الله عنه- في توسله بالعباس –رضي الله عنه- حين قحطوا وذلك بطلب الدعاء منه، وهذا في البخاري، وكذلك طلبه من أويس القرني أن يدعو له وهذا في الصحيحين، وكما طلب معاوية –رضي الله عنه- من يزيد بن الأسود أن يدعو في الاستسقاء.
وهذا يدل على أنهم لم يكونوا يتوسلون بذات النبي –صلى الله عليه وسلم-، إذ لو كانوا يرون التوسل به جائزاً ما عدلوا عنه إلى غيره. بل إن عمر –رضي الله عنه- وهو من هو في العلم والدين والفضل لم يتوجه إلى قبر المصطفى –عليه الصلاة والسلام- عند الاستسقاء، بل إنما طلب من العباس الدعاء، وكان هذا بمجمع من الصحابة –رضي الله عنهم-، ومع ذلك لم ينقل أن أحداًَ منهم أرشده إلى غير ما فعله.
فلو فرض ثبوت النقل عن أحد من الصحابة خلاف ذلك كما في هذا الأثر عن عائشة –رضي الله عنها- لو صح، وكما ورد في أثر آخر أيضاً لم يثبت عن عثمان بن حنيف –رضي الله عنه- فهذا لا يقاوم ما ثبت عن جمهورهم من ترك ذلك، وما زال بعض الصحابة يقول القول ولا يوافق عليه سائرهم، كما كان ابن عمر –رضي الله عنه- يغسل عينيه في الوضوء. وكما كان أبو هريرة يغسل ذراعيه حتى يبلغ الإبط، وكقول ابن عباس في العول وبعض مسائل الفرائض وغير ذلك. بل عائشة –رضي الله عنها- جاء عنها بعض مسائل لم يوافقها عليه سائر الصحابة وعامة الأمة كثبوت المحرمية برضاع الكبير وغيرها. وقول الصحابي إنما يكون حجة حين يوافقه بقية الصحابة فيصبح إجماعاً. أو لا ينقل عن غيره مخالفة له، أو لا يعرف له مخالف، فقوله حينئذ حجة عند طوائف من أهل العلم.
5 - أن هذا الأثر لو صح أو صح غيره مما يدل على التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، واعتقد الناظر صحة تلك الأدلة وأنه لا معارض لها فينبغي حينئذ أن يقتصر على التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- دون غيره، فإن إلحاق غيره به لا يصح بحال، ولا يمكن الاستدلال له بذات الأدلة؛ لما لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الخصوصية والمنزلة التي لا يشاركه -بل ولا يدانيه- فيها غيره.
وهذا على فرض صحة الأدلة وسلامتها من المعارض مع أنا قد بينا خلاف ذلك، وليس لأحد حين يتبين له الحق أن يحيد عنه إلى غيره وقد تبين له ضعف دليله، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
*************************
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[13 - 02 - 05, 02:24 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=65096#post65096