قال الحافظ ابن عبدالهادي: هذا الخبر منكر موضوع، لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض. والهيثم جد أحمد بن محمد بن الهيثم أظنه ابن عدى الطائي. فإن يكن هو فهو كذاب متروك وإلا فمجهول.
وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة. كان يكذب. وقال العجلي وأبو داود: كذاب. وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولابي والأزدي: متروك الحديث. وقال ابن المديني ساقط قد كشف قناعه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال ابن عدي: ما أقل ما له من المسند. وإنما هو صاحب أخبار وأسمار، ونسب وأشعار. وقال الحاكم أبو عبدالله: الهيثم ابن عدي الطائي في علمه ومحله حدث عن جماعة من الثقاة أحاديث منكرة، وقال العباس بن محمد: سمعت بعض أصحابنا يقول، قالت جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي. فإذا أصبح جلس يكذب.
فإذا كانت هذه الحكاية عند أهل العلم بهذه المثابة من الوهن لم تثبت بسند يعول عليه ويحتج به.
فكيف يقول هذا الغبي: ولكن الشأن في نقلتها، وهم حملة الشريعة المطهرة. وقد عرفت أن حملة الشريعة المطهرة ونقادها جزموا بأن الحكاية لم تثبت وأنها من الموضوعات. وأما الموفق وابن أبي عمر وغيرهما من أصاحبنا فهم لم يذكروا هذا ولم يعتمدوا عليه. والمناسك المعتبرة وما ذكروا في آداب الزيارة موجودة منقولة بسند العدول.
وهذا الرجل المعترض قد تقدم أنه جاهلي لا يحسن النقل، ولا يدري الصحيح بل يفتري الكذب على أهل العلم. فهو ساقط هالك لا يلفت إلى نقله.
ثم لو سلمنا ثبوت هذه الحاكية فلا دليل فيها على ما ذهب إليه هذا الأحمق من تجويز دعاء الأنبياء والصالحين وطلب الحوائج منهم. والأعراب لا يحتج بأفعالهم ويجعلها دليلا شرعيا إلا مصاب في عقله، مفلس في فهمه وعلمه. وكذلك نقل العتبي ومن مضي من رجال سندها ليسوا من العلم في شيء.
وقد تقدم أن أدلة الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع. والقياس المعتبر فيه خلاف وغير ذلك ليس من الأدلة في شيء ولم يأت عن أحد من الأئمة من عهد الصحابة إلى آخر القرون المفضلة في هذا الباب ما يثبت، لا طلب الاستغفار ولا غيره.
وقد تقدم عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه حكى الإجماع على منعه وأن النبوات متفقة على تحريمه. وابن عقيل تقدم كلامه فيمن دس الرقاع إلى ضرائح الموتى، للطلب منهم. ولو فرض أن هذا الأعرابي قد غفر له فذلك أيضا لا يدل على حسن حاله، وأسباب الكائنات لا يحصيها إلا الله، وقد يستجاب لعباد الأصنام كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم).
ثم ليس في الحكاية أنه سأل الرسول شيئاً. غايته أنه توسل به ومسألة التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم غير مسألة دعائه والاستغاثة به والطلب منه. وقد قال تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} فإذا كان الله سبحانه هو المختص بمغفرة الذنوب، فكيف تطلب المغفرة من غيره تعالى وتقدس؟.
وقد تقدم لهذا المعترض الغبي أنه قال: وإنما الشرك طلب مغفرة الذنوب وهداية القلوب، فجزم بأن هذا من الشرك، ثم رجع يناقض نفسه واحتج بها على الطلب من الرسول كما قال البوصيري.
قال الحافظ بن عبدالهادي رحمه الله: وقوله: إني سمعت الله يقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول) ليس فيه ما يدل على مشروعية إتيان قبره الشريف. ولم يقل ذلك أحد من أهل العلم. ويتبين ذلك بالكلام على الآية. وما أريد بها وهي: إنما سيقت لذم من تخلف من المنافقين على المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال حياته ليستغفر له. وحكم تعالى على من أبى هذا أنه من المنافقين. قال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون} وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم الطاغوت كعب بن الأشرف، وغيره من الطواغيت، دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم، حيث لم يجيء إلى رسول صلى الله عليه وسلم يستغفر له. فإن المجيء إليه ليستغفر له توبة وتنصل من الذنوب.
¥