قال المعترض: وفي كلام محيي الدين أبي زكريا يحيى النووي الشافعي المشهور بالعلم والحفظ والإتقان، قال بعد أن ذكر صفة زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وصفة السلام عليه وعلى صاحبيه، والانحراف عن استدباره واستقبال القبلة بالدعاء ـ قال: ثم يرجع الزائر إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فيتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه، ومن أحسن ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبى مستحسنين له ـ وذكر قصة العتبى، وهو تابعي جليل فقال: حكى العتبى أنه قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عيك يا رسول الله يا صفوة خلق الله أنت الذي أنزل عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباُ رحيماً} وقد ظلمت نفسي، وها أنا قد أتيت أستغفر من ذنبي، اشفع لي إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ** فطاب من طيبهن القاع والأكم
أنت الفداء لقبر أنت ساكنه ** فيه العفاف، وفيه الجود والكرم
أنت الحبيب الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا مازلت القدم
أنت البشير النذير المستضاء به وشافع الخلق إذ يغشاهم الندم
تخصهم بنعيم لا نفاد له والحور في جنة المأوى لهم خدم
تعطى الوسيلة يوم العرض مغتبطا عند المهيمن لما تحشر الأمم
والحوض قد خصك الله الكريم به يوماً عليه جميع الخلق تزدحم
تسقى لمن شئت يا خير الأنام وكم قوماً لعظم الشقا والبعد قد حرموا
صلى عليك إله العرش ما طلعت شمس النهار فغشت حندس الظلم
قال العتبى رحمه الله: ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عتبى أدرك الأعرابي، وبشره أن الله قد غفر له.
ثم ذكر المعترض: أن موفق الدين بن قدامة وابن أبي عمر وصاحب المستوعب وغيرهم من الأصحاب ذكروا ذلك، ونقلوا هذه القصة راضين بها. وهي مما استفاض عند الأمة، حتى لا تحتاج لسند، قال، ثم دع صحتها من عدمها وأنها منام، ولكن الشأن في رضى نقلتها وهم حملة الشريعة المطهرة.
ثم كرر هذيانه المتقدم في ذم وطن الشيخ وأن النبي لم يدع له، وأن الشيخ لم يظهر الدين، بل كفر العلماء الأمناء والأمة التي أخبر الله تعالى أنها خير أمة أخرجت للناس، وأعاد ما تقدم بعبارة واهية وتركيب ساقط، كأنه وقع على دليل يجب المصير إليه في تجويز دعاء الأموات وتخطئة من منعه.
ولا يخفى أنه حرف البيت الثاني تحريفاً بشعاً جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فداء للقبر، بأبي هو وأمي. ولم يشعر بما في كلامه من التحريف، ورسم هذا التحريف بقلمه. وكتبه بيده وصوابه " نفسي الفداء".
والجواب أن يقال: هذه القصة التي ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء، ولم يذكرها غيرهم ممن يعتد به، ويقتدى به، كالأئمة المتبوعين وأكابر أصحابهم، وأهل الوجوه في مذاهبهم، كأشهب وابن القاسم، وسحنون وابن وهب، وعبدالملك وابنه، والقاضي إسماعيل من المالكية، ولا من الشافعية كالمزني والبويطي، وابن عبدالحكم، ومن بعدهم كابن خزيمة، وابن سريج وأمثالهم، ونظرائهم من أهل الوجوه، وكأبي يوسف من أصحاب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني وزفر بن الهذيل، ومن بعدهم كالطحاوي حامل لواء المذهب. وكذلك أصحاب أحمد وأصحاب الوجوه في مذهبه لم يذكرها أحد منهم، كعبدالله وصالح، والخلال، والأثرم، وأبي بكر بن عبدالعزيز والمروذي وأبي الخطاب. ومن بعدهم، كابن عقيل وابن بطة.
وبعض من ذكر هذه الحكاية يرويها بلا إسناد وبعضهم عن محمد ابن حرب الهلالي. وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزغفراني عن الأعرابي وقد ذكرها البيهقي بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن زيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فذكر نحو ما تقدم ووضع لها بعض الكذابين إسنادا إلى علي بن أبي طالب، كما روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي قال: حدثنا أبي عن أبيه سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي ابن أبي طالب. فذكر نحو ما تقدم.
¥