وقال أبو داود: " ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل ".
وفي تارخ الخطيب: سئل الفرهياني عن يحيى بن معين وعلي وأحمد وأبي خيثمة فقال: " أما علي فأعلمهم بالحديث والعلل، ويحيى أعلمهم بالرجال، وأحمد بالفقه، وأبو خيثمة من النبلاء ".
وقال صالح بن محمد: " أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني، وأفقههم في الحديث أحمد ابن حنبل، وأمهرهم في الحديث سليمان الشاذكوني ".
دخولهُ في محنةِ القولِ بخلقِ القرآنِ وأثرُ ذلك وكيف انتهى أمره؟:
وكان علي بن المديني رحمه الله ممن دخل في محنة القول بخلق القرآن دخول الخائف على نفسه ولم يصبر كما صبر الإمام أحمد بن حنبل وغيره، بل هاب الإرهاب والقمع الذي حصل لمن لم يوافق دعاة القول بخلق القرآن إلى ما يريدون ومن أجل ذلك لم يرو عنه بعض المحدثين كالإمام مسلم.
ولكنه تاب وأناب واتضح من قوله وقول غيره أن دخوله لم يكن عن عقيدة، وإنما كان خوفا على النفس. وقد صرح بذلك عن نفسه وصرح به غيره، وقد أورد الذهبي علي بن المديني في كتابه الميزان لكون العقيلي أورده في كتاب الضعفاء وأنحى باللوم على العقيلي لذلك وذب عن هذا الإمام وأشاد بذكره والثناء عليه قال في كتابه الميزان (3/ 138): " أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، فبئس ما صنع، فقال: جنح إلى ابن أبي دؤاد والجهمية وحديثه مستقيم إن شاء الله"، ثم ذكر الذهبي بعض ثناء الأئمة عليه ثم قال: " وقد بدت منه هفوة ثم تاب منها وهذا أبو عبد الله البخاري – وناهيك به – قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن الديني، ولو ترك حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وذكر أناسا آخرين سماهم، لغلقنا الباب وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال، أفما لك عقل يا عقيلي أتدري فيمن تتكلم، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم ولنزيف ما قيل فيهم كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك فهذا مما لا يرتاب فيه محدث ".
وقال الذهبي في الميزان أيضا: " كان ابن المديني خوافا متاقيا في مسألة القرآن مع أنه كان حريصا على إظهار الخير فقد قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: سمعت يحيى بن معين يقول: كان ابن المديني إذا قدم علينا أظهر السنة وإذا ورد البصرة أظهر التشيع ثم قال الذهبي: قلت: كان ذلك بالبصرة ليؤلفهم على حب علي رضي الله عنه، فإنهم عثمانية ". انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه "، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ بعد أن ذكر كثيرا من ثناء الأئمة عليه: " قلت مناقب هذا الإمام جمة لو ما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة خلق القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفر من يقول بخلق القرآن، فالله يرحمه ويغفر له ". انتهى.
وقد جاء عنه الثناء على الإمام أحمد في صبره في المحنة وقال: " إن الله أعز هذا الدين برجلين، أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة ".
وقال ابن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل: " وترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة وكان أبي يروي عنه لنزوعه عما كان منه ".
وفي تاريخ بغداد أن عباس العنبري روى عنه أنه قال: " قوي أحمد على السوط وأنا لا أقوى " وقال ابن عمار: " ما أجاب إلى ما أجاب ديانة إلا خوفا "، وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية: " وكان علي بن المديني ممن أجاب إلى القول بخلق القرآن في المحنة فنقم ذلك عليه وزيد عليه في القول، والصحيح عندنا أنه إنما أجاب خشية السيف " قال ابن عدي: "سمعت مسددا ابن أبي يوسف الفلوسي يقول: قلت لابن المديني: مثلك في علمك يجيب إلى ما أجبت إليه. فقال يا أبا يوسف: ما أهون عليك السيف "، وعنه: " خفت أن أقتل ولو ضربت سوطا واحدا لمت ".
¥