وهب أن ذلك يشكل اضطراباً فإن ذلك لا يؤثر سلباً فيما يخص الوهم والعلة، وإنما يضر فقط في تحديد مصدره، وبالتالي تبقى جهة ذلك الخطأ مجهولة، فلا يؤدي ذلك إلى طرح التعليل بالكلية. نعم إذا كان الاضطراب حول وجود الوهم، فيطرح ذلك الذي وقع فيه الاضطراب فقط في حالة ما إذا لم يتضح سبب لرجحان أحد القولين.

التعقيب على قول المعلق

ثانياً: قول المعلق بأن قول ابن المبارك هذا أوقع كثيراً من أهل الحديث في مغلطة، وظنوا أن حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي وحسنه هو الذي قال فيه ابن المبارك " لم يثبت "، وهذا ليس بصحيح … إلى آخر قوله.

أقول: يحاول المعلق – من خلال زعمه بأن الحديث الذي حسنه الترمذي هو غير الحديث الذي أعله ابن المبارك، وأن بينهما بوناً بائناً – أن يبرهن على أن أهل الحديث قد وقعوا في مغلطة حين حملوا تعليل ابن المبارك على الحديث الذي حسنه الترمذي.

وقبل أن أتطرق لمناقشة المعلق فيما يزعمه يكون من المفيد أن أنقل هنا نص الإمام الترمذي في هذه المسألة، وهذا نصه:

" 1 - … حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، …

2 - وقال عبد الله بن المبارك: قد ثبت حديث من يرفع يديه، وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه.

3 - ولم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يرفع يديه إلا في أول مرة " (1).

ثم ذكر الإمام الترمذي:

4 - "باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة.

5 - حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: (ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة).

6 - قال: حديث ابن مسعود حديث حسن.

7 - وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة (1) اهـ.

وكان المعلق قد ارتكز في تفريقه بين الحديث الذي حسنه الترمذي،وهو في رقم (5) وبين الحديث الذي أعله ابن المبارك،وهو في رقم (3) على أمرين:

الأمر الأول: أن الإمام الترمذي نقل عن ابن المبارك تعليله للحديث الذي نص عليه بلفظ: " إنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة " كما في رقم (3) بعد ذكر حديث ابن عمر، ثم روى حديث ابن مسعود متصلاً بلفظ: " ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة " تحت باب " ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة " كما في رقمي: (4) و (5).وجاء المعلق ليفهم من هذا الصنيع في سنن الترمذي أن ابن المبارك لم يعل حديث ابن مسعود في رقم (4)، وإنما أعل الحديث الذي ذكره هو معلقاً في رقم (3).

ولعل سبب هذا الفهم هو: أن ابن المبارك لو أراد بالتعليل هذا الحديث الذي رواه الترمذي متصلاً تحت باب مستقل، لنقل فيه التعليل، بل ذهب الإمام الترمذي إلى تحسينه،ومعنى هذا عند المعلق أن الحديث رقم (4) يراه الترمذي ثابتاً، وما في رقم (3) يراه ضعيفاً،وبالتالي يكون الحديث الذي أعله ابن المبارك غير الذي حسنه الترمذي.

والأمر الثاني: وجود تفاوت في اللفظ وتغاير في المعنى بين الحديثين؛ إذ إن الحديث الذي ذكره ابن المبارك معلقاً،وهو: " إنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة " يفيد السلب الكلي لرفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام، بحيث يناقض حديث ابن عمر: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده ولا يفعل ذلك في السجود " (1). وهذا الحديث يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام،وهو ما وصفه المعلق بالإيجاب الجزئي. ولوجود التناقض بين هذين الحديثين أعل ابن المبارك من حديث ابن مسعود ما يفيد السلب الكلي، دون غيره.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015