قلت: وكأنه أخذ توثيق الترمذي إياها من تصحيحه حديثها، ولا يخفى ما فيه لما عرف عن الترمذي من تساهل في التصحيح، ولذلك رأينا الحافظ نفسه لم يوثق زينب هذه، فإنه قال عنها في ((التقريب)) "مقبولة" يعني عند المتابعة فتأمل" ا. هـ.
هذا داخل في معنى الجهالة عند ابن حزم، والألباني يقرُّه على ذلك خلافا للمعتم عند علماء الجرح والتعديل، وهناك كثيرات من المجهولات اللاتي لم يعرفن بجرح ولا تعديل، ممن احتج بهن مالك، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، وحديث زينب بنت كعب هو حجة الجمهور من الفقهاء في باب المعتدة المتوفى عنها زوجها ألا تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدَّتُها.
قال أبو عمر بن عبد البر:" وفي هذا الحديث وهو حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق، أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها ولا تخرج منه، وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد، وهو قول عمر وعثمان، وابن عمر وابن مسعود وغيرهم، وكان داود وأصحابه يذهبون إلى أن المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتد في بيتها، وتعتد حيث شاءت لأن السكنى إنما ورد به القرآن [الكريم] في المطلقات، ومن حجته أن المسألة مسألة اختلاف، وقالوا: وهذا الحديث إنما ترويه امرأة غير معروفة بحمل العلم، وإيجاب السكنى إيجاب حكم، والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة أو إجماع، قال أبو عمر: أما السنة فثابتة بحمد الله، وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة، لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقه السنة وبالله التوفيق " (35).
فهذه نماذج من تعامل الأئمة النقاد مع أحاديث المجاهيل، وهي تبرز دقة المنهج النقدي عند هؤلاء الأئمة النقدة، كما تكشف جانبا من جوانب التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين، وانطلاقا من هذه الحقيقة ندعو الباحثين والمختصين في الحديث وعلمه إلى ضرورة التروي في حكمهم على الأحاديث، والتأني الشديد في مخالفة أحكام النقاد المتقدمين.
والله أعلم