بن القاسم ودعواه ضعف القصة بالاختلاف فيها حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم لون ءاخر من التدليس لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملا وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة والبخاري يفعل هذا أيضا فكثيرا ما يذكر الحديث مختصرا ويوجد عند غيره تاما. والذي ذكر القصة في رواية البيهقي إمام فذ يقول عنه أبو زرعة الدمشقي: قدمَ علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وارحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يَرَو مثلَه رجلا.
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة لون ثالث من التدليس والغش، فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصرا ثم قال: تابعه شبيب بن سعيد الحَبَطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون، هذا كلام الحاكم وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبوله وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه، لذلك ضرب عنه صفحا وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عنادا وخيانة.
ثالثا: تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الألباني وغشه أن القصة صحيحة جدا رغم محاولاته وتدليساته وهي تفيد جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك وفهم الراوي له قيمته العلمية وله وزنه في مجال الاستنباط. وإنما قلنا إن القصة من فهم الراوي على سبيل التنزل. والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل إلى التوسل كان تنفيذا لما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث الضرير. قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلا أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت في بصري فادع الله لي، قال: اذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري اللهم فشفعني في نفسي وشفّع نبيي في رد بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك. إسناده صحيح.
والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي صلى الله عليه وسلم في التوسل به عند عروض حاجة تقتضيه. وقد أعل ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية بينت بطلانها في غير هذا المحل ـ انظر كتابه مصباح الزجاجة ـ وابن تيمية جريء في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه ولو كان في الصحيح، مثال ذلك: روى البخاري في صحيحه حديث: كان الله ولم يكن شىء غيره وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتيقن، لكنه خالف رأيه في اعتقاده قِدَمَ العالَم فعمد إلى رواية للبخاري أيضا في هذا الحديث بلفظ: كان الله ولم يكن شىء قبله فرجحها على الرواية المذكورة بدعوى أنها توافق الحديث الآخر: أنت الأول فليس قبلك شىء. قال الحافظ ابن حجر: مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية على الأولى لا العكس والجمع مقدم على الترجيح بالاتفاق. انتهى كلام الحافظ في الفتح.
قلت: ـ أي عبد الله الغماري ـ تعصبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض لأن رواية: كان الله ولم يكن شىء قبله تفيد معنى اسمه الأول بدليل: أنت الأول فليس قبلك شىء ورواية: كان الله ولم يكن شىء غيره تفيد معنى اسمه الواحد بدليل رواية: كان الله قبل كل شىء.
مثال ثان: حديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي عليه السلام، حديث صحيح، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات ورد عليه الحافظ في القول المسدد. وابن تيمية لانحرافه عن علي عليه السلام كما هو معلوم لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه وأمثلة رده للأحاديث التي يردّها لمخالفة رأيه كثيرة يعسر تتبعها.
¥