ووجه سابع: بالشك في قلتين أو ثلاث , ذكرها يزيد بن هارون وكامل بن طلحة وإبراهيم بن الحجاج وهدبة بن خالد , عن حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن الزبير , قال: " دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانا فيه مقراة ماء فيه جلد بعير ميت فتوضأ منه , فقلت: أتتوضأ منه وفيه جلد بعير ميت؟ فحدثني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا بلغ الماء قدر قلتين أو ثلاث لم ينجسه شيء " ورواه أبو بكر النيسابوري: حدثني أبو حميد المصيصي حدثنا حجاج , قال ابن جريج أخبرني لوط عن ابن إسحاق عن مجاهد أن ابن عباس قال " إذا كان الماء قلتين فصاعدا لم ينجسه شيء ". ورواه أبو بكر بن عياش عن أبان عن أبي يحيى عن ابن عباس , كذلك موقوفا. وروى أبو أحمد بن عدي من حديث القاسم العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بلغ الماء أربعين قلة لا يحمل الخبث " تفرد به القاسم العمري هكذا , وهو ضعيف , وقد نسب إلى الغلط فيه , وقد ضعف القاسم أحمد والبخاري ويحيى بن معين وغيرهم. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا علي الحافظ يقول: حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا بلغ الماء أربعين قلة " خطأ , والصحيح عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو قوله.
قلت: كذلك رواه عبد الرزاق أخبرنا الثوري ومعمر عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله.
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان عن عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أبيه قال " إذا كان الماء أربعين قلة لم يحمل خبثا " وخالفه غير واحد , فرووه عن أبي هريرة , فقالوا " أربعين غربا " ومنهم من قال " دلوا " قاله الدارقطني.
والاحتجاج بحديث القلتين مبني على ثبوت عدة مقامات:
(الأول) صحة سنده.
(الثاني) ثبوت وصله , وأن إرساله غير قادح فيه.
(الثالث) ثبوت رفعه , وأن وقف من وقفه ليس بعلة.
(الرابع) أن الاضطراب الذي وقع في سنده لا يوهنه.
(الخامس) أن القلتين مقدرتان بقلال هجر.
(السادس) أن قلال هجر متساوية المقدار ليس فيها كبار وصغار.
(السابع) أن القلة مقدرة بقربتين حجازيتين , وأن قرب الحجاز لا تتفاوت.
(الثامن) أن المفهوم حجة.
(التاسع) أنه مقدم على العموم.
(العاشر) أنه مقدم على القياس الجلي.
(الحادي عشر) أن المفهوم عام في سائر صور المسكوت عنه.
(الثاني عشر) أن ذكر العدد خرج مخرج التحديد والتقييد.
(الثالث عشر) الجواب عن المعارض ومن جعلهما خمسمائة رطل احتاج إلى مقام.
(رابع عشر) وهو أنه يجعل الشيء نصفا احتياطا.
(ومقام خامس عشر) أن ما وجب به الاحتياط صار فرضا.
قال المحددون: الجواب عما ذكرتم:
أما صحة سنده فقد وجدت , لأن رواته ثقات , ليس فيهم مجروح ولا متهم. وقد سمع بعضهم من بعض. ولهذا صححه ابن خزيمة والحاكم والطحاوي وغيرهم. وأما وصله , فالذين وصلوه ثقاة , وهم أكثر من الذين أرسلوه , فهي زيادة من ثقة , ومعها الترجيح. وأما رفعه فكذلك. وإنما وقفه مجاهد على ابن عمر , فإذا كان مجاهد قد سمعه منه موقوفا لم يمنع ذلك سماع عبيد الله وعبد الله له من ابن عمر مرفوعا. فإن قلنا: الرفع زيادة , وقد أتى بها ثقة , فلا كلام. وإن قلنا: هي اختلاف وتعارض , فعبيد الله أولى في أبيه من مجاهد , لملازمته له وعلمه بحديثه , ومتابعة أخيه عبد الله له.
وأما قولكم: إنه مضطرب , فمثل هذا الاضطراب لا يقدح فيه , إذ لا مانع من سماع الوليد بن كثير له من محمد بن عباد ومحمد بن جعفر , كما قال الدارقطني: قد صح أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعا , فحدث به أبو أسامة عن الوليد على الوجهين , وكذلك لا مانع من رواية عبيد الله وعبد الله له جميعا عن أبيهما , فرواه المحمدان عن هذا تارة , وعن هذا تارة.
¥