الأول: أن المقصود تثبيت الحكم بقطع النظر عن الحكم على هذا المعين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر على رجلين في البقيع وأحدهما يحجم الآخر فقال (أفطر الحاجم والمحجوم) فهذا المراد به إثبات الحكم بقطع النظر عن هذين الشخصين المعينين، فإذا ثبت الحكم نظرنا في الشخص المعين، وطبقنا عليه شروط لزوم مقتضى هذا الحكم.
الثاني: أن التقدير، أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار إن لم تؤد زكاتهما، فيكون الحديث على تقدير شرط معلوم من الشريعة، وهو أن الوعيد على من لم يؤد الزكاة، أما من أداها فلا وعيد عليه.
-3 عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - " أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن "، قال ابن حجر في التلخيص:" أخرجه ابن أبي شيبة، والبيهقي من طريق شعيب بن يسار، وهو مرسل قاله البخاري، وقد أنكر ذلك الحسن فيما رواه ابن أبي شيبة عنه، قال: لا نعلم أحدا من الخلفاء قال في الحلي زكاة " ا. هـ
-4 عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه أوجب الزكاة في الحلي، حكاه ابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس، وقال الشافعي: لا أدري أيثبت عنه أم لا.
-5 عن ابن مسعود - رضي الله عنه - " أن امرأته سألته عن حلي لها فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة " رواه الطبراني والبيهقي، ورواه الدارقطني من حديثه مرفوعا وقال هذا وهم والصواب أنه موقوف.
القول الثاني: أنه لا زكاة في الحلي إذا كان معدا للبس والعارية، وهذا هو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة، مالك والشافعي وأحمد، إلا إذا أعد للنفقة، وإن أعد للأجرة ففيه الزكاة عند أصحاب أحمد، ولا زكاة فيه عند مالك والشافعي، واستدلوا بما يلي:
-1 أن الأصل براءة الذمة من التكليف، ما لم يرد دليل شرعي صحيح.
والجواب أنه قد ورد الدليل الصحيح على وجوب الزكاة في الذهب والفضة من الحلي المعد للاستعمال، وقد سبقت هذه الأدلة.
-2 أن الزكاة إنما تجب في المال النامي أو المعد للنماء، والحلي ليس واحدا منها، لأنه خرج عن النماء بصناعته حليا يلبس ويستعمل وينتفع به فلا زكاة فيه، فهو كما يستعمل الإنسان لحاجته من مسكن ومركوب وملابس، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) [خ 1463، م 982].
والجواب عن هذا أن قياس الحلي المعد للاستعمال من الذهب والفضة على العبد والفرس قياس مع الفارق، كما أنه متناقض، أما كونه مع الفارق فلأن الأصل في الذهب والفضة وجوب الزكاة، وليس الأصل في الفرس والعبد والثياب وجوب الزكاة، وأما كونه متناقضا فلأنه لو كان للإنسان عبد قد أعده للأجرة فليس فيه زكاة، ولو كان عنده خيل أعدها للأجرة فليس فيها زكاة، ولو كان عنده حلي أهده للأجرة ففيه الزكاة، فلا يصح القياس.
-3 حديث (ليس في الحلي زكاة)
والجواب عنه من وجوه:
الأول: أن الحديث ضعيف، وقد أخرجه ابن الجوزي في التحقيق، والدارقطني 2/ 107، وأعل بجهالة عافية بن أيوب، وضعف إبراهيم بن أيوب.
الثاني: أننا إذا فرضنا توثيق عافية كما نقله ابن أبي حاتم عن أبي زرعة فإنه لا يعارض أحاديث الوجوب، ولا يقابل بها لصحتها ونهاية ضعفه.
الثالث: أننا إذا فرضنا أنه مساو لها، ويمكن معارضتها فإن الأخذ بها أحوط، وما كان أحوط فهو أولى بالاتباع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)
الرابع: أن المستدلين به لا يقولون بموجبه، فلو أخذنا بموجبه لكان الحلي لا زكاة فيه مطلقا، وهم لا يقولون بذلك، بل يقولون إن الحلي المعد للإجارة أو النفقة فيه الزكاة.
-4 قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء (يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) قال ابن العربي: هذا الحديث يوجب بظاهره أن لا زكاة في الحلي، بقوله - صلى الله عليه وسلم - للنساء (تصدقن ولو من حليكن) ولو كانت الصدقة فيه واجبة لما ضرب المثل به في صدقة التطوع.
والجواب على هذا أن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه، وإنما فيه الأمير بالصدقة حنى من حاجيات الإنسان، ونظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك ونفقة عيالك، فإن هذا لا يدل على انتفاء وجوب الزكاة في هذه الدراهم.
-5 لو كانت زكاة الحلي فرضا لانتشرت فرضيتها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكان لها ذكر في شيء من كتب الصدقات وكل ذلك لم يقع.
-6 ما رواه الإمام أحمد أنه قال: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: عائشة وابن عمر، وأنس، وجابر، وأسماء [انظر مصنف أبي شيبة (3/ 154، 155) الأموال لأبي عبيد (1277) سنن الدارقطني (2/ 109) سنن البيهقي (4/ 183)]
والجواب عن هذا أن أقوال هؤلاء الصحابة لا يعارض بها عمومات كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
-7 حديث سمرة - رضي الله عنه - قال:" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع " [د 1562، وضعفه الألباني]، وهذا صريح في أن الزكاة لا تجب إلا فيما أعده الإنسان للبيع
.
والجواب أن الحديث ضعيف.
الموضوع بواسطة عبد الرحمن آل أبو موسى
¥