ـ[محمد الأمين]ــــــــ[01 - 08 - 02, 09:18 ص]ـ
تعطر المرأة
أخرج مسلم في صحيحه عن بسر بن سعيد أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله ? أنه قال: «إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة». وأخرج من طريق محمد بن عجلان (فيه كلام) حدثني بكير بن عبد الله بن وعثمان عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله ?: «إذا شهدت إحداكن المسجد، فلا تمس طيباً». وأخرج عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله ?: «أيما امرأةٍ أصابت بَخُوراً، فلا تشهد معنا العِشاء الآخِرة».
قلت الحديث الأول أقوى من الثاني. فكل الرواة يتفقون على اللفظ الأول، إلى محمد بن عجلان فقد روى عن بكير وعثمان عن بسر بن سعيد اللفظ الثاني. لكن غيره قد روى عن بكير وعثمان وعن غيرهما اللفظ الأول. إنظر علل الدارقطني (9\ 75–86). ولم يوافق محمد بن عجلان إلا حجاج بن أرطأة عند علل أبي حاتم (1\ 79) وابن لهيعة، وكلاهما ضعيفان لا يحتج بهما. ومحمد بن عجلان نفسه تلكم عليه العلماء في أحاديث أبي هريرة، وهو ليس بقوي الحفظ. فثبت أن محمد بن عجلان إنما كان يروي بالمعنى، وقد خالفه الحفاظ. فالنهي إذاً خاصٌ بصلاة العشاء، وهو المروي كذلك عن أبي هريرة ?.
قال ابن مالك: «والأظهر أنها (أي العشاء الآخرة) خُصَّت بالنهي، لأنها وقت الظلمة وخلوّ الطريق. والعِطر يهيّج الشهوة، فلا تأمن المرأة في ذلك الوقت من كمال الفتنة. بخلاف الصبح والمغرب، فإنهما وقتان فاضحان». نقل ذلك الشيخ القاري في المرقاة (2\ 71).
وأخرج أحمد (4\ 418) (4\ 400) (4\ 413) والنسائي (8\ 153) وأبو داود (4\ 79) والترمذي (5\ 106)، وصححه ابن خزيمة (3\ 91) و ابن حبان (10\ 270) والحاكم (2\ 430)، من طرق عن ثابت بن عمارة (جيد الحديث) قال سمعت غنيم بن قيس (ثقة مخضرم) يقول سمعت أبا موسى الأشعري ? يقول قال رسول الله ?: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية. وكلُّ عينٍ زانية». وإسناد الحديث يدور على ثابت بن عمارة الحنفي، وفيه خلاف. ولعله جيّد الحديث، والله أعلم.
قال إمام الأئمة ابن خزيمة عن هذا الحديث: «المتعطرة التي تخرج ليوجد ريحها قد سماها النبي ? زانية. وهذا الفعل لا يوجب جلداً ولا رجماً. ولو كان التشبيه بكون الاسم على الاسم، لكانت الزانية بالتعطر يجب عليها ما يجب على الزانية بالفرْج. ولكن لما كانت العِلة الموجبة للحد في الزنا الوطء بالفرج، لم يجز أن يحكم لمن يقع عليه اسم زان وزانية بغير جماع بالفرج في الفرج بجلدٍ ولا رجم».
قلت: المقصود أن زنا العينين النظر وزنا اليد اللمس وأمثال ذلك. وليس التعطر زنا بالمعنى الذي يوجب الرجم أو الجلد بلا ريب. ومن ينادي المتعطرة بالزانية، فهو قاذِفٌ يجب جلده حدّ الفِرية (وهي ثمانين جلدة). قال المناوي في فيض القدير (5\ 27): «والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فقد هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها، فكل من ينظر إليها فقد زنى بعينه. ويحصل لها إثمٌ لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه. فإذن هي سببُ زناه بالعين. فهي أيضاً زانية».
ومقصود ابن خزيمة والمناوي هو ما دل عليه الحديث الذي أخرجه البخاري (#5889) ومسلم (#2657) عن ابن عباس قال: ما رأيتُ شيئاً أشبه بِاللَّمَمِ (أي صغائر الذنوب) مما قال أبو هريرة أن النبي ? قال: «إن الله كتب على بن آدم حظّه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة. فزنى العينين النظر. وزنى اللسان النطق. والنفس تَمنّى وتَشتهي. والفَرج يُصدِّق ذلك أو يكذبه». قال الخطابي: «المراد بِاللَّمَمِ، ما ذكره الله في قوله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللَّمَمَ} وهو المعفوُّ عنه. وقال في الآية الأخرى: {إن تجتنبوا كبائر ما تُنهَونَ عنه نُكفّر عنكم سيئاتكم}. فيؤخذ من الآيتين أن اللمَم من الصغائر وأنه يُكَفّر باجتناب الكبائر».
¥