وهنا مسألة أخرى لها تعلق بهذا البحث: وهو أنّ بعض أهل العلم يرى أنه لا بأس برواية الحكايات والقصص لِما فيها مِن العظة والعبرة, وإن كان يغلب على ظن المتحدث عدم صحتها, لكن لِما يَترتب عليها من المصالح؛ لإقلاع كثير مِن الناس عن المعاصي والذنوب وحصول التوبة والرجوع إلى الله مِن كثير ممن يسمع هذه القصص, قال تقي الدين:: (وهذا كالحجج والأدلة التي يذكرها كثير مِن أهل الكلام والرأي؛ فإنه ينقطع بها كثير مِن أهل الباطل, ويقوى بها قلوب كثير مِن أهل الحق, وان كانت في نفسها باطلة, فغيرها أبطل منها, والخير والشر درجات, فينتفع بها أقوام ينتقلون مما كانوا عليه إلى ما هو خير منه.
وقد ذهب كثير مِن مبتدعة المسلمين -مِن الرافضة والجهمية وغيرهم- إلى بلاد الكفار, فأسلم على يديه خلق كثير, وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين, وهو خير مِن أن يكونوا كفاراً, وكذلك بعض الملوك قد يغزو غزواً يظلم فيه المسلمين والكفار, ويكون آثماً بذلك, ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفاراً فصاروا مسلمين, وذاك كان شراً بالنسبة إلى القائم بالواجب, وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير.
وكذلك كثير مِن الأحاديث الضعيفة في الترغيب والترهيب والفضائل والأحكام والقصص, قد يسمعها أقوام فينتقلون بها إلى خير مما كانوا عليه, وإن كانت كذباً, وهذا كالرجل يُسلم رغبة في الدنيا ورهبة مِن السيف, ثم إذا أسلم وطال مكثه بين المسلمين دخل الإيمان في قلبه, فنفس ذل الكفر الذي كان عليه وانقهاره ودخوله في حكم المسلمين خير مِن أن يبقى كافراً, فانتقل إلى خير مما كان عليه, وخف الشر الذي كان فيه, ثم إذا أراد الله هدايته أدخل الإيمان في قلبه.
والله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها, والنبي r دعا الخلق بغاية الإمكان, ونقل كل شخص إلى خير مما كان عليه بحسب الإمكان,چ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? چ الأحقاف: 19, وأكثر المتكلمين يردون باطلاً بباطل, وبدعة ببدعة, لكن قد يردون باطل الكفار مِن المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين, فيصير الكافر مسلماً مبتدعاً, وأخص مِن هؤلاء مَن يرد البدع الظاهرة -كبدعة الرافضة- ببدعة أخف منها وهي بدعة أهل السنة) مجموع الفتاوى 13/ 95, 96.
وما تقدم مِن كلام تقي الدين: في الترغيب والترهيب بهذه القصص والحكايات التي يسمعها أقوام فينتقلون بها إلى حال أحسن مِن حالهم, فما ذكره: واستدلّ له قد يكون فيه حجة لكثير مِن الوعاظ والقصاص الذين يعتنون بهذا الجنس مِن الحكايات مع القطع أنّ بعضها لا أصل له, لكنهم يرون -والواقع شاهد- أنّ لها تأثيراً عظيماً على مَن يسمعها.
والمشروع أن يكون الوعظ والتذكير بما دلت عليه النصوص مِن الكتاب وما ثبت في السنة, ففيهما الغنية والكفاية, فإذا احتاج المُذكر إلى شيء مِن هذه القصص ورأى أن مَن يُذكرهم يصلحون وتحسن حالهم بمثل هذه القصص, ولو أُخذوا أو دُعوا بغير هذا اللون والطريق لم يستجيبوا ولم يتّعظوا, فإن دعوتهم وتذكيرهم بمثل هذا لا بأس به, فقد قال جمع مِن أهل العلم: أنّه إذا أشكل عليك أمرٌ فانظر إلى عاقبته ونتيجته, فإن كانت خيراً ومصلحة فمِن الحق, والله سبحانه وتعالى بعث الرسل لتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها, كما تقدم مِن كلام تقي الدين:, والله أعلم) اهـ.
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[12 - 11 - 10, 07:09 م]ـ
بحث ماتع، وتقرير نفيس من هذا العالم المبارك ..
واختيار موفق منك أخي فهد بن عبد اللطيف الوصيفر ..
ـ[علي بن عثمان]ــــــــ[13 - 11 - 10, 07:12 ص]ـ
كلام متين جداً يدل على علم ودقة فهم، أين طلاب العلم من هذا العالم المغمور
الذي علمت أنه يحفظ الكتب الستة، أتمنى أن أراه في هيئة كبار العلماء.