مِن نفائس ومتين استدلالات الفقيه المحدث/عبد المحسن الزامل في مسألة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

ـ[فهد بن عبداللطيف الوصيفر]ــــــــ[11 - 11 - 10, 07:49 م]ـ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبين يديك أخي القارئ الكريم كلام شيخنا المحدث الفقيه/ عبد المحسن بن عبدالله الزامل –حفظه الله تعالى- على مسألتين مِن مسائل علم الحديث هما: العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال, ورواية القصص والحكايات التي قد لا تثبت؛ للموعظة والعبرة.

وقد أخذته مِن كتاب نفيس طبع لشيخنا باسم: (الجُمل المُفيدة في شرح الفريدة) , وهو شرح لنظم في مصطلح الحديث, نظمه مؤلفه مِن نخبة الفِكَر, للحافظ ابن حجر, ومع هذا الكتاب رسالة مهمة ونفيسة بعنوان: (أحوال النظر في الأخبار) , نشرتهما دار ابن الجوزي بالدمام, عام 1430هـ.

وإليك كلام شيخنا عن المسألتين المتقدمتين, قال –حفظه الله ونفع به-:

(والحديث الضعيف يرى جمهور أهل العلم أنه يُعمل به في فضائل الأعمال بشروط:

الأول: أن لا يكون شديد الضعف, بأن لا يكون فيه كذاب أو متروك.

والثاني: أن يدخل تحت أصل عام, ثبت معناه بالأدلة الصحيحة, فلا تثبت سنة مستقلة بحديث ضعيف.

والثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته عن النبي ع, ولكن يرجو الثواب إن كان فيه ترغيب, ويحذر العقاب إن كان فيه ترهيب.

وينبغي التنبيه على عدم رواية الأحاديث الضعيفة بين عموم الناس حتى ولو قال: "يُروى عن النبي ع", إلا إذا صرّح وبيّن أنَّ الحديث ضعيف؛ لأن عامة الناس لا يُفرقون بين الصيغ التي ذكرها أهل العلم للأحاديث الصحيحة والضعيفة, فلا يُميزون بين قول المتحدث أو الواعظ, بين قوله: "يروى عن النبي ع" أو "صحّ عنه", فيجعلون الجميع باباً واحداً.

والشرط الأول متفق عليه, والشرطان الأخيران ذكرهما ابن عبد السلام وابن دقيق العيد –رحمهما الله-, ومِن أهل العلم مَن أنكر العمل بالحديث الضعيف, والمسألة فيها بحث, ولكن عند جمهور العلماء يصحّ العمل به بهذه الشروط, وهذا هو الأظهر.

ومما يستدل به للجمهور أنَّ أهل العلم متفقون على جواز الحديث عن أهل الكتاب فيما وقع لهم مما لم يعلم كذبه ولم يكن مخالفاً لشرعنا؛ دليله ما ثبت في البخاري من حديث عبد الله بن عمرو ب أنه ع قال: (وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ) , وكذا ما رواه أبو داود مِن حديث عبد الله بن عمرو بأنه قال: كَانَ نَبِيُّ اللهِ rيُحَدِّثُنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يُصْبِحَ, مَا يَقُومُ إِلَّا إِلَى عُظْمِ صَلَاةٍ. وإسناده صحيح لولا تدليس قتادة, ووجه الدلالة مِن هذا الخبر: أنه إذا جاز الحديث عن بني إسرائيل مما لم يثبت صدقه ولا كذبه, ولم يكن مخالفاً لشرعنا -كما تقدم- مما وقع لهم مِن العجائب والغرائب التي فيها عظة وذكرى, فجوازه فيما نُقل عنه r مما لم يُعلم كذبه وليس مخالفاً لشرعه, بل هو منتظم تحت أصل مُتقرر بالأدلة الصحيحة, أولى وأحرى, وتقي الدين: لَما ذكر هذه المسألة -وهي جواز العمل بالحديث الضعيف بشروطه- قال: (وهذا كالإسرائيليات؛ يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب, فيما عُلم أنَّ الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا, فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت, فهذا لا يقوله عالم, ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله مِن الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة) مجموع الفتاوى 1/ 251.

ومِن الحجة للجمهور أيضاً: أنَّ أهل العلم بالمصطلح متفقون على أنَّ الراوي الذي لم يشتد ضعفه يصلح للاعتبار, فيقوى براوٍ آخر مماثل أو قريب منه في الدرجة, وهذا جارٍ في عموم الأخبار, فإهدار الحديث الذي يأتي مِن طريق راوٍ ضعيف لا يتناسب فيما يظهر مع طريقة أهل العلم في اعتباره في باب الشواهد والمتابعات.

وهنا مسألة أيضاً يَحسن بيانها وهي: أنّه قد يرد على قول الجمهور, بأن يُقال: يلزمكم العمل بالأحاديث الضعيفة التي جاءت بتخصيص بعض فضائل الأعمال بثواب معين -وذلك بأن يُعيِّن حديث ضعيف توفرت فيه شروطه المتقدمة صوم يوم معين أو قيام ليلة معينة- بحجة أنّه في فضائل الأعمال وأنه داخل تحت أصل ثابت وهو مشروعية صوم النافلة والصلاة النافلة؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015