هل أن يكون معللا بذاته؟ فيرد تضعيف النقاد أو تصحيحهم، بناءا على نظرته الإعلالية، ولذلك قلتم: علم العلل قضى على غيره ... ،أيها المحدث: لا يحق لك الحكم على حديث ولو بلغت ما بلغت في علوم الحديث وفنونه ما دمت مقصرا في علم العلل، ونصحتم بالتمكن في علم العلل.
أم أن يكون متابعا (مقلدا) للنقاد؟ فلا يخالف تعليلاتهم؛ لأنهم تحقق فيهم آلات اجتهاد هذا الفن، وانعدمت في غيرهم.
باك الله فيك أخي أبا محمد ونفع بك
المطلوب من المشتغل بعلم الحديث أن لا يقدم على تصحيح الأحاديث أو تسقيمها إلا بعد التمكن من علم العلل ودقائقه
- ولا يكتفي بالتمكن من علم الجرح والتعديل مثلا
- أو علم التخريج مثلا
- أو مسائل علم المصطلح مثلا
فإن بعض محدثي العصر أفنى عمره في أحد هذه العلوم أو فيها
وقصر فيما هو أهم من ذلك وأكثر تأثيرا في الحكم على الأخبار
ذلك هو علم العلل
لأن حماية السنة من أن يدخل فيها ما ليس منها أو أن يخرج منها ما هو منها قائم على هذا العلم
وعلى دقائقه
وعلم الجرح والتعديل وفن التخريج والمصطلح وإن كان من علوم السنة المهمة والتي لا يزهد فيها العقلاء
إلا أنها في نهاية المقام محكوم ومقضي عليها بعلم العلل
وغاية المحدث منها أن يتقن هذا العلم ويعد من أهله، لأن حماية السنة لا تكون إلا به ولا تكون بغيره من العلوم، والمراد بعلم العلل هنا ما يشمل تعليل الأسانيد والمتون معا لا الأسانيد فقط
والسبيل إلى هذا العلم هو ما ذكرتُه سابقا، فعلى المشتغل بعلم الحديث والمتخصص فيه أن يجعل كل همه وجل مقصده تفهم كلام أئمة هذا الفن وتعقل كلامهم فيه والتدبر في صنيعهم وتعليلهم
ويفني جزءا من عمره في ذلك، بعد أن يكون حصل مباديء هذا الفن، إذ لا يختلف أهل الاختصاص أن السنة ما حفظ إلا:
بهؤلاء الأعلام النقاد
وبمنهجهم الذي ساروا عليه
ولا يمكن أن تحفظ السنة بمنهج غيرهم
كذا كان قضاء الله وقدره
خص هؤلاء القوم بهذه الرتبة الشريفة
والناس لهم فيها تبع
وهذا الذي حصل
فأحمد ويحيى وعلي إنما اتبعوا منهج القطان وابن مهدي وابن عيينة والبخاري والرازيان والذهلي إنما اتبعوا منهج أشيخاهم أحمد وابن معين وعلي وكذا من دونهم ممن سمينا من طبقات علماء هذا الفن
فهو منهج واحد لم تحفظ السنة إلا به ولا يمكن للمتأخر عنهم ومن أتى بعدهم أن يحفظ سنة نبيه إلا بمنهجهم فعلى المحدث المتأخر أن يسلك منهجهم في حفظ السنن وهذا يتطلب منه مدة من الزمن يعكف فيها على تدبر كلامهم وصنيعهم وتعليلاتهم حتى يتنفس بنفسهم الذي يعللون به الأخبار وبذلك ينبل عند أهل الفن والاختصاص ويُسلك في عداد أهله
ولا يعني ذلك أن يكون مقلدا لهم في جميع الجزئيات اللهم إلا إذا اجتمعوا ولم يختلفوا أو لم يعلم أنهم قد اختلفوا بل يكون مقلدا لهم في منهجهم والكليات وإن شئت فقل متبعا لهم لأنه لا محالة سيري بعيني قلبه عشرات الأدلة الدالة على صحة منهجهم حتى إذا لم يجد لأحدهم حكما على حديث اجتهد فيه على وفق منهجهم فكان حكمه على الحديث كحكمهم لو حكموا عليه لأنه خرّجه على منهجهم فيكون بذلك قد قام بحفظ السنة كما حفظوها وبنفس منههجهم الذي لا تحفظ السنة إلا به وبذلك ينبل عند أهل العلم ويسلك في عداد أهل هذا الفن
وإذا كان ذلك، فمن هم هؤلاء النقاد (بمن بدأوا، وبمن انتهوا)؟
هم تلك الثلة من العلماء المتقدمين الذي حفظ الله بهم السنة
فكان أول من تكلم في علل الأخبار ابن سيرين وبعض أصحابه ثم ازداد في زمن شعبة والثوري ومالك ثم ترسم وتبلور في زمن القطان وابن مهدي ثم بلغ أوجه في زمن أحمد وعلي ويحيى وبقي كذلك يتناقله التلاميذ عن الشيوخ في طائفة معينة يعرفها أهل العلم ويرجعون إليها إلى أن قل ذلك وكاد يعدم بعد عصر أبي الحسن الدارقطني وبات لا يعرف بهذا العلم إلا واحد أو اثنان في كل عصر إلى عصرنا هذا
فلا انتهاء لهذا العلم كما لا انتهاء لأهله الذين يحملونه لأن الله تكفل بحفظ الدين لكن المنهج الذي قام عليه هذا العلم إنما هو ما كانت عليه تلك الطائفة في تلك العصور الذهبية للسنة النبوية من لدن شعبة إلى الدارقطني ومن أتى بعدهم من أهل هذا الفن على قلتهم فإنه في الغالب لا يخالفهم وإذا خالفهم قدم قولهم وترك قوله
والله أعلم
ـ[أبو محمد الشربيني]ــــــــ[08 - 08 - 10, 01:51 م]ـ
شكر الله لك أخي الكريم، ولو بينت لي هاتيتين النقطتين:
هل محدث العصر يستقل بالإعلال، بمعنى أنه يعل ما صححه الأئمة السابقون، أو يصحح ما أعله الأئمة السابقون؟
أم أنه متابع (مقلد) لمن سبق، فلن يخرج عن كلامهم (أحكامهم)، فماذا إذ لم يجد لهم أحكام، ولو ضمنية؟
ـ[أمجد الفلسطينى]ــــــــ[08 - 08 - 10, 09:39 م]ـ
بارك الله فيك
المتقدمون إما أن يتفقوا على تعليل حديث أو تصحيحه أو يختلفوا أو نقف على قول أحدهم أو مجموعة منهم ولا نعلم لهم مخالفا أو لا نقف على قول أحد منهم
فالأول: لا تجوز مخالفته لأن إجماع أهل الفن حجة
والثاني: فالمحدث وغيره يرجح بين أقوالهم بالأدلة إن كان قادرا
ومن لم يكن أهلا للنظر قلد الأعلم
والثالث: لا تجوز مخالفته لأنهم إذا كانوا مجموعة فهو إجماع سكوتي وإن كان واحدا فإمامته مع تقدمه وطبيعة هذا العلم وعدم العثور على مخالف بعد البحث والتقصي إن لم يكن كالإجماع السكوتي
فالأولى للباحث تقليد هذا الإمام
وهذه الأخيرة أدنى الرتب وما قبلها فمخالفته أشد
والرابع: يحكم فيه المحدث باجتهاده لكن على طريقتهم ومنهجهم ويراعي في هذه الحالة كون الحديث موجود في الأصول والكتب المتقدمة أو في الكتب المسندة المتأخرة
والله أعلم
¥