والذي يرد على الطبراني، ثم الدار قطني من ذلك أقوى مما يرد على البزار (لأن البزار) حيث يحكم بالتفرد إنما ينفي علمه، فيقول: ((لا نعلمه يروي عن فلان إلا من حديث فلان)). وأما غيره، فيعبر بقوله: ((لم يروه عن فلان إلا فلان)). وهو وإن كان يلحق بعبارة البزار على تأويل، فالظاهر من الإطلاق خلافه والله أعلم.) انتهى.

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[26 - 09 - 03, 08:32 ص]ـ

قال الشيخ حمز المليباري

في الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين (ص 118 - 122)

المثال التطبيقي لأسلوب المتأخرين في جمع المتابعات والشواهد

واذكر هنا على سبيل المثال ما وقع في تعليق أحد المحققين الجدد على حديث قال فيه الإمام الطبراني: " لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرد به صالح " بعد روايته في المعجم الصغير والأوسط، وعلق عليه المحقق الفاضل بقوله:

" وهذا من الأدلة الكثيرة التي تبين لأمثال المليباري والمعجبين به، أنه قد يفوت على كبار الحفاظ أسانيد أو طرق للأحاديث، كهذا الحديث، فإن رواية البيهقي تؤكد أن صالحاً … لم يتفرد به، بل تابعه غير واحد عند البيهقي، فسبحان من لا تخفى عليه خافية، وعلى كل حال، فالإسناد واه جداً، ثم وقفت على طريق أخرى للحديث عند الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الشعب، والواحدي في التفسير وفيه محمد بن الحسين بن زبالة المخزومي، وهو ساقط كما قال الذهبي في تخليص المستدرك " اهـ (1)

ولتوضيح ما يكمن في هذا التعليق من الشبهة، مع أن المحقق الفاضل قد أقرّ بوهاء الحديث وبطلانه، أقول: إن الطبراني روى هذا الحديث في معجمه الأوسط، و الصغير عن عبد الله بن عمران بن موسى البغدادي عن صالح بن علي بن عبد الله الحلبي عن عبد الله بن هبيرة المؤدب الحلبي عن سلمة بن سنان الأنصاري عن طلحة بن عمرو المكي عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعاً، ثم قال في الصغير: " لا يروي عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرد به صالح ".

ورواه الحارث عن أبي نعيم عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة موقوفاً (2)، وكذا رواه الحاكم عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أحمد عن أحمد بن نفير، عن أبي غسان النهدي عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة موقوفاً.

ورواه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ عن شيخ الحاكم به وقال: " هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد موقوفاً " ورواه أيضاً عن أبي طاهر عن عمرو بن عبد الله عن محمد بن عبد الوهاب عن محمد بن القاسم عن طلحة به (3).

وهذا الحديث الذي رواه الحارث والحاكم والبيهقي وقبلهما الطبراني يدور على طلحة بن عمرو، و جاء حديثه هذا موقوفاً من طريق أبي نعيم وأبي غسان النهدي ومحمد بن القاسم، وخالفهم صالح بن علي حين رواه عن عبد الله بن هبيرة عن سلمة عن طلحة بن عمرو نفسه مرفوعاً، ولهذا قال الطبراني: " لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرد به صالح " يعني لم يرو حديث أبي هريرة مرفوعاً إلا صالح بن علي، ولم يكن تعليق البيهقي بأن المحفوظ هو الموقوف سوى تأكيد لغرابة هذا المرفوع. ومن المعلوم أن الإمام الطبراني قد خصص كتابيه: الأوسط والصغير برواية الغرائب التي تروى في عصره، أو قبله، دون الغرائب التي أغربها من جاء بعده من الرواة، ودون ذكر المحفوظات والصحاح. ومعلوم أن الغرابة قد تكون مطلقاً وقد تكون نسبية،

(

وقد بين الإمام الترمذي في خاتمته للسنن (4). ولكن يتوقف فهم ذلك على شيء من الممارسة لنصوص الأوائل، ومنهجهم في النقد.

ولذلك فما نصّ عليه الإمام الطبراني من غرابة المرفوع الذي أورده في المعجمين: الأوسط والصغير، لا يكون معارضاً بما رواه الحاكم والبيهقي موقوفاً، بل يؤيده قول الطبراني " هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد موقوفاً "، حيث لا يعني الإمام الطبراني بقوله السابق أنه لم يروِ هذا الحديث إلا بالإسناد الذي ذكره هو، وتكون الغرابة التي صرح بها كانت موجهة صوب رواية صالح بن علي من طريق طلحة بن عمرو مرفوعاً يعني بذلك الغرابة النسبية.

وأما ما رواه الحاكم والبيهقي (5) عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب عن محمد بن عبد الوهاب عن محمد بن الحسن عن أم سلمة عن أبيها عن جدها عن أبي هريرة مرفوعاً فلا يعكر أيضاً على ما نصّ عليه الطبراني من الغرابة،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015