وينبغي أن ينتبه إلى مسألة الاختلاط. فأقول: الاختلاط عند من تقدم من أهل العلم؛ عند البخاري وابن المديني وابن معين وأحمد .. ممن تقدم من الحفاظ أنه عبارة عن التغير تغير الحفظ والضبط. ثم إن هذا التغير على قسمين:
إما أن يكون تغيرا أكبر بحيث أصبحوا لا يضبطون وأصبح حديثهم الأخير مردودا مثل سعيد بن أبي عروبة ومثل عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي فهؤلاء تغيروا تغيرا شبه كامل.
وإما أن يكون هذا التغير قليلا ليس بالكثير تغير يسير مثل أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبدالله وصفه بعض الأئمة بالاختلاط ولكن هذا الاختلاط إنما هو تغير في الحافظة قليلا وحديثه صحيح لكن وقع في بعض الأوهام القليلة بعدما تقدمت به السن فهذا القسم يعامل غير معاملة القسم الأول. ومثلُ أبي إسحاق السبيعي سفيانُ بن عيينة وصفه يحيى بن سعيد القطان بالاختلاط ولكن هذا الاختلاط يسير بينما هو تغير في الحفظ قليل.
فأقول بالنسبة للقسم الأول: يكون ما حدثوا به قبل الاختلاط صحيحا وما حدثوا به بعد الاختلاط يكتب فإن وجد ما يشهد له فهنا يقبل وإن لم يوجد ما يشهد له فهنا يردّ ولا يقبل إلا إذا كان الراوي عنهم من الأئمة الكبار الذين يعرفون صحيح حديثهم من سقيمه ففي رواية هؤلاء عنهم تكون روايتهم مقبولة بسبب رواية هؤلاء الرواة عنهم. مثل عبدالله بن صالح كاتب الليث كان له جار يُدخِل في حديثه ما ليس منه فأصبح في حديثه أحاديث ليست من حديثه. هذه الأحاديث يعرف أنها ليست من حديثه الحفاظ الكبار مثل: البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وأمثال هؤلاء وقد نصّ ابن حجر على ذلك، وقد قال محمد بن إسماعيل البخاري في مواضع متعددة من العلل الكبير للترمذي: كل راوٍ لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه. فهو رحمه الله كثيرا ما يعرف صحيح حديث الشخص من سقيمه فلذلك لما أتى إلى إسماعيل بن أبي أويس قال له: اخرج لي كتابك فلما أخرج له كتابه انتقى من حديثه ما كان صحيحا حتى إن إسماعيل قال بعد ذلك للبخاري: علِّم لي على هذه الأحاديث فعلم له البخاري عليها فأخذ لا يحدّث إلا بها.
ومثل ما قال وكيع بن الجراح الرؤاسي: كنا ندخل على سعيد بن أبي عروبة – يعني بعد الاختلاط – فيحدثنا فما كان من حديثه كتبناه وما لم يكن من حديثه أسقطناه.
ففيما يتعلق بالاختلاط هذا هو المنهج الصحيح هذا هو منهج من تقدم من الحفاظ وأما منهج بعض من تأخر فهم يعاملون المختلطين معاملة واحدة وهذا خطأ. المختلطين ليسوا على درجة واحدة كما تقدم بل الاختلاط أكبر وأصغر. الأئمة أطلقوا الاختلاط على النوعين القسمين السابقين فينبغي الانتباه لهذا. فأقول هذا قسم.
والقسم الثاني من هؤلاء الرواة سمعوا في مقتبل عمرهم وبداية حياتهم ونشأتهم في الطلب عن أهل بلدهم فأتقنوا وبعد ذلك سمعوا من غير أهل بلدهم فلم يتقنوا
مثل إسماعيل بن عياش كما تقدم ذكره قبل قليل
ومثل بقية بن الوليد وقد ذكر نصّ بعض الحفاظ على ذلك بالنسبة لبقية لكن إسماعيل أشهر تقريبا هم متفقون على ذلك.
قوله والأئمة على التفصيل في حديث إسماعيل بن عياش وحتى بقية
بقية في روايته عن الشاميين أضبط. وتقريبا قد يكون هذه قاعدة عامة نوعا ما إلا في الحفاظ الكبار – أن يكون الإنسان معرفته بحديث أهل بلده أكثر لأنه يعرف هؤلاء من قبل وسمع منهم قديما وجالسهم كثيرا بخلاف الواردين على بلده وإلا هو يكون مسافر لهم يحاول أن يسمع ما عندهم باستعجال وبسرعة فعموما رواية الشخص عن أهل بلده تقدم على غيرها وهذا له مدخل كبير في علم الصناعة الحديثية وعلم العلل. وهذا من طريقة من تقدم. وطريقة من تأخر أنهم لا يلتفتون إلى هذا أحيانا ولذلك كما ذكرت بالأمس أن خالد بن دريك في روايته عن عائشة رضي الله عنها في حديث "إذا بلغت المرأة المحيض لا يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى الوجه والكفين هذا كما ذكرت أنه باطل ومعلل بعلل كثيرة سبع إلى ثمان علل. ومن هذه العلل كما ذكرت أن خالد بن دريك شامي وعائشة مدنية رضي الله تعالى عنها وأهل المدينة لم ينقلوا هذا عنها. وخالد بن دريك لم يسمعها وهو مقلّ الحديث فمن أين له هذا الحديث عنها. فلا شك أن هذا دليل على نكارة وبطلان هذا الخبر بالإضافة إلى ما تقدم ذكره مما سبق من العلل التي أُعلّ بها هذا الخبر وبالتالي فهذا الخبر
¥