6. أن صفات الطَّبقة الثَّانية منطبقة عليه تماماً، وبيانه:-
أ. أن الأئمَّة احتملوا عنعنة قَتادة، وأخرجوا له في الصَّحيح معنعناً كما سبق، وقول ابن حجر: «من احتمل الأئمة تدليسه»، فيه تجوز، فإن الأئمَّة لا يحتملون التَّدليس عن غير الثِّقة إذا ثبت لهم، ولعل ابن حجر أراد أن يقول: «عنعنته» ([15])، ويلزم على ظاهر كلام ابن حجر قبول عنعنة كل من في الطبقة الثالثة للوصف الذي ذكره، وهو ما أراد الحافظ أن يبعد عنه!
ب. أن قَتادة من أئمَّة الحديث، وهذا متفق عليه بينهم، وقد تقدَّم أن قَتادة ممن تدور عليه الأسانيد، ففي اشتراط تصريحه ردٌّ لكثير من الأحاديث الصحيحة.
ت. أن الثابت من تدليسه في جنب ما روى لا يكاد يعدُّ شيئاً، بدليل كثرة ما رواه معنعاً في كل الطُّرق – وليس له متابع فيه – بجنب ما ردَّه الحفَّاظ بسبب عنعنته. وقد روى مئات الأحاديث عن أنس -رضي الله عنه- وغيره بالعنعنة، ومن يستطيع أن يثبت أنه دلَّس في عشر عشر ذلك، بل لم يرد عن السَّلف رد حديث واحد سليم متنه وإسناده بعنعنته.
فالأصح أنَّ قتادة في الطبقة الثانية من المدلسين وأنَّ عنعنته – لا تدليسه - مقبولة بالشُّروط التَّالية:-
1) سلامة المتن من الشذوذ أو النَّكارة، وهذا يعرفه غالباً من له اشتغال بالسُّنة النَّبوية، ومقاصد الشريعة، فإذا لم نجد علة في الحديث سوى عنعنة قَتادة مع ما في المتن من نكارة، أُلزق ذلك باحتمال تدليس قَتادة، هذا الشرط للحدِّ من التشدد في عنعنته، أما مع التَّوسط فيقال بقبول عنعنته، مالم يظهر بجلاء نكارة في المتن.
2) سلامة السَّند من الشذوذ أو المخالفة للأرجح، ويقال هنا أيضاً ما قيل في الأول.
3) وجود قرائن تدلُّ على ثبوت سماعه من الراوي، كذكره في شيوخه ونحو ذلك
قال ابن عبد البرِّ في بيان هذين الشرطين: «وقَتادة إذا لم يقل سمعت، وخولف في نقله فلا تقوم به حجَّة لأنه يدلِّس كثيراً عمن لم يسمع منه، وربَّما كان بينهما غير ثقة» ([16]). فبقوله: «وخولف»، وقوله: «عمَّن لم يسمع منه»، يتبين لنا الشَّرطان الأخيران.
4) ألا يوجد تعليل أو تضعيف لإمام حافظ من السَّابقين - لتلك الرِّواية التي لم نجد فيها علة تذكر – سوى عنعنة قَتادة – لم نطَّلع نحن على ما اطَّلع عليه من سبب يوجب القدح في تلك الرِّواية.
فإذا فُقِد أحد هذه الشُّروط جاز التَّوقف للعالم بالحديث في صحة الرِّواية لاحتمال تدليس قَتادة، دون أن يجزم بلا علم بأنَّ في الحديث تدليس قَتادة كذا بدون برهان قاطع، أما ردُّ حديثه بمجرد عنعنته، فقد حكم عليه ابن عبد البر بأنه تعسُّف ([17]).
أما إذا أرسل قَتادة الحديث عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، أو عمَّن لم تثبت قرينة على سماعه منه، فقد كان القطَّان لا يرى إرسال الزُّهري وقَتادة شيئاً، ويقول: «هو بمنْزلة الرِّيح» ويقول: «هؤلاء قوم حفَّاظ، كانوا إذا سمعوا الشيء عَلِقُوه» ([18]).
---------------------------------------------
([1]) الكفاية (ص401).
([2]) التهذيب (3/ 430).
([3]) الجرح (7/ 135).
([4]) الثقات (5/ 322).
([5]) معرفة علوم الحديث (ص103).
([6]) الكفاية (ص496).
([7]) السير (5/ 271).
([8]) تعريف أهل التقديس (ص63و146).
([9]) القاموس (ص703)، (دلس).
([10]) النكت للزركشي (2/ 81).
([11]) الثقات (7/ 592).
([12]) الثقات (6/ 98).
([13]) التمهيد (3/ 307).
([14]) النكت للزركشي (2/ 96 - 97).
([15]) من النصوص المهمة التي يُرَدُّ بها على من أعل بعنعنة المدلس أن أبا زرعة ضعَّف حديثاً فيه عنعنة بقية، فقال له ابن أَبي حاتم: «تعرف له علة؟ قال: لا» – العلل (1/ 488).
([16]) التمهيد (3/ 307).
([17]) التمهيد (19/ 287).
([18]) المراسيل لابن أبي حاتم (1).
ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[01 - 09 - 09, 04:14 ص]ـ
بارك الله فيك الشيخ عادل ..
شكر الله لكم ايها الناقل.
ـ[أبوفاطمة الشمري]ــــــــ[01 - 09 - 09, 07:20 ص]ـ
الشيخ محمد بن عبد الله.
بارك الله فيك. راجع:
1) "شرح النووي على مسلم" (5/ 51 - 52 ط الأزهرية).
2) "السلسلة الصحيحة" (5/ 614) للشيخ ناصر رحمه الله.