ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[01 - 09 - 09, 03:54 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وبعد:
فهذا مبحث مستلٌّ من رسالة الشيخ د. عادل بن عبدالشكور الزرقي للدكتوراه: (مرويات الإمامين قتادة بن دعامة ويحيى بن أبي كثير المعلة في كتاب العلل للإمام الدارقطني)، وقد تكلم فيه عن تدليس قتادة.
فقال -رعاه الله-:
اشتهر عند أهل العلم بأن قَتادة كان يدلِّس في الحديث.
قال شعبة عنه: «إذا جاء ما لم يسمع يقول: قال سعيد بن جبير، وقال أبو قلابة …» ([1]).
وقال أبو داود: «حدَّث قَتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم» ([2]).
وقدَّم أبو حاتم قَتادة على أيوبَ في معاذة بقوله: «قَتادة إذا ذكر الخبر – يعني إذا بيَّن السَّماع» ([3]).
وممن وصفه بالتَّدليس ابن حبان ([4]) والحاكم ([5]) والخطيب ([6]).
وقال الذَّهبيُّ: «مدلِّس معروف بذلك» ([7]).
وقد ذكره ابن حجر في الطَّبقة الثالثة من طبقات المدلِّسين الذين أكثروا من التَّدليس، فلا يحتجُّ الأئمَّة من أحاديثهم إلا ما صرَّحوا فيه بالسَّماع ([8]).
وفي ذكره في هذه الطبقة نظر، بل هو مرجوح للغاية، فمثله في المرتبة الثانية - على أقل تقدير – وهم من احتمل الأئمة عنعنتهم، وأخرجوا له في الصَّحيح وإن لم يصرِّحوا بالسَّماع لعدة أسباب منها:-
1. أن مصطلح التَّدليس عند من وصف بعضَ الرُّواة بالتَّدليس جارٍ على كلامهم بلغة العرب قبل نشأة المصطلح، والتَّدليس لغة التَّكتم، وكتمان العيب ([9])، قال البزَّار: «التَّدليس ليس بكذب، وإنَّما هو تحسين لظاهر الإسناد» ([10]). فهو أعمُّ مما عند أهل المصطلح المتأخر. فكل تكتُّم لعيب في الإسناد يعدُّ تدليساً فصاحبه مدلِّس، ومن حدَّث عن أناس لم يسمع منهم أو لم يلقهم أصلاً، وكتم هذا العيب على عموم النَّاس، فقد دلَّس عليهم، وإن علم بذلك خواص أهل العلم، فلا يخرجه ذلك من هذا الوصف إجمالاً، فتنْزيل كلامهم على ما اصطلحوه مؤخراً غير صحيح. ومن شواهد ذلك:-
أ- قول ابن حبَّان في يحيى بن أبي كثير: «كان يدلِّس، فكلما روى عن أنس فقد دلَّس عنه ولم يسمع من أنس، ولا من صحابي شيئاً» ([11]). وقال أيضاً: «بشير بن المهاجر الغنوي، من أهل الكوفة، يروى عن عبد الله بن بريدة، وقد روى عن أنس، ولم يره، دلَّس عنه» ([12]).
ب- قول ابن عبد البر: «يدلِّس كثيراً عمن لم يسمع منه» ([13]).
2. أنَّ كلَّ من وصفه بالتَّدليس، لم يذكر اشتهاره به، سوى ما نقله ابن حجر عن النَّسائي، ولم يحكِ لفظه، فيضعف الاحتجاج به نوعاً ما، ولا يلزم من الاشتهار بالشيء الإكثار منه، فالإكثار أخص من الاشتهار، والذي يظهر لمن سبر أحاديثه وعللها، أنَّ تدليسه قليل في جنب ما روى، ولعل وصفه بالكثرة نسبي لمن يشدِّد فيه، أو لأنَّ أهل البصرة قد أكثروا من ذلك عموماً.
3. أن من وصفه بالتَّدليس من العلماء – كشعبة – ذكر أسماء معينة كان قَتادة يفعل ذلك معهم، لا مع كل راوٍ، فكيف إذا كان شيخه أنس -رضي الله عنه-، وقليلٌ أن يصرح عنه في جنب ما روى عنه.
4. أنَّ الأسماء التي ذكرت في روايته عنهم – ولم يسمع منهم – تخرج المسألة من التَّدليس الاصطلاحي إلى الإرسال الخفي في اصطلاح ابن حجر والانقطاع عموماً عند من سلف، فكيف يحتجُّ بذلك في باب التَّدليس هذا، وقد ذكر أبو داود أنَّه حدَّث عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم كما سبق قبل قليل، وليس هذا بتدليس عند من تأخر، وهو كذلك عند السابقين بعموم التعمية.
5. أن البخاريَّ ومسلم والتِّرمذيَّ وابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم وغيرهم - ممن ألَّف في الصَّحيح أو تميَّز بالحكم على كثير من الأحاديث – صحَّحوا كثيراً من أحاديث قَتادة التي عنعن فيها، ولم يردُّوها بالعلَّة هذه، بل بعلةٍ أخرى إن وجد للحديث علة ما، فأين الأئمَّة الذين يقول ابن حجر بأنهم يردُّون عنعنتهم؟
ولذا قال ابن دقيق العيد بعد كلام طويل عن هذا الإشكال: «… وإلا فيجوز أن يرى أنها محمولة على السَّماع حتى يظهر الانقطاع، وإذا جاز وجاز، فليس لنا الحكم عليه بأحد الجائزين مع الاحتمال»، إلى أن قال: «والأقرب في هذا أن نطلب الجواب من غير هذا الطَّريق، أعني طريق القدح بسبب التَّدليس» ([14]).
¥