فالآية إذن ليست في المتعة، وإنما هي في النكاح الصحيح، بدلالة ما قبلها، أنها ذكرت في المحرمات، فذكر الله تبارك وتعالى ما يحل، ثم بدلالة قول الله تبارك وتعالى {محصنين}، والمتعة كما قلنا لا تحصن إنما الذي يحصن هو النكاح الشرعي بدلالة قولهم هم، ولذلك لا يجد الشيعة أبدا جوابا عن هذه الآية ولا يجدون أبدا مفرا من قول الله تبارك تعالى {محصنين}، فلا يجدون إلا أن يقولوا إنها لا تحصن ولكن هذه الآية في نكاح المتعة! عناد محض، وليس بعد العناد شيء، وإذا كان الكلام مع معاند ولذلك يقول الإمام الشافعي الهاشمي رحمه الله تعالى: ما نظرني عاقل إلا غلبته وما ناظرني جاهل إلا غلبني.

لأنّ المسألة إذا كانت تؤخذ بالعناد فالأمر لا يكون بعده نقاش أبدا. ثم كذلك ما يأتي بعدها وهو قول الله تبارك وتعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم} ولم يرشد إلى المتعة أبداً، إنما ذكر أن من لم يستطع أن ينكح المحصنات المؤمنات فعليه أن يتزوج ملك اليمين. أما قراءة: إلى أجل مسمى، فإن هذه القراءة غير صحيحة وهي قراءة شاذة، لا هي من السبع ولا هي من العشر. ثم إن الشيعة أصلا لا تعترف بالقراءات حتى تستدل بهذه القراءة. وذلك أن عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إنّ الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد. الكافي ج2 ص 630.

وأما علماء التفسير الذين تكلموا عن هذه الآية فإنهم قالوا إن الآية في النكاح الشرعي وليست في المتعة وهذا قول الطبري والقرطبي وابن العربي وابن الجوزي وابن عطية والنسفي والنيسابوري والزجاج والألوسي والشنقيطي والشوكاني وغيرهم …كل هؤلاء قالوا إنّ الآية في النكاح الشرعي وليست في المتعة.

ولذلك قال ابن الجوزي: قد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء.

فقال ابن الجوزي معقباً: وهذا تكلف لا يحتاج إليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ثم منع منها، فكان قوله منسوخ بقوله وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة أبدا، لأنه تعالى قال فيها {أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} فدل ذلك عن النكاح الصحيح. ا. هـ زاد المسير ج1 ص53.

وقال الإمام الشنقيطي: فالآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناها. أضواء البيان في تفسير هذه الآية.أما ذكر الاستمتاع في الآية، وهي قوله تبارك وتعالى: {فما استمتعتم به منهن} فإن المقصود به النكاح الصحيح، وهو استمتاع أيضا، حتى النكاح الصحيح يسمى استمتاعا. وذلك أن الله تبارك وتعالى ذكره بعد النكاح المحرم، ذكر النكاح الصحيح سبحانه وتعالى. ولفظ الاستمتاع كما قال الأزهري يقول: المتاع في اللغة: كل ما انتفع به فهو متاع. .....

... وأما الأجر أنه ذكر الأجر في الآية {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}، قالوا اذكر الأجر دليلا على ذكر المتعة. نقول ليس ذلك صحيحاً. وذلك أن الأجر أيضا يذكر ويراد به المهر. كما قال الله جل وعلى {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن} وقال جل ذكره {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن} والمتعة ليس فيها إذن الأهل. وقال جل ذكره {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الذي آتيت أجورهن} أي مهورهن. وقال سبحانه {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن}. فالأجر يذكر ويراد به المهر الذي هو النكاح الصحيح.) اهـ.

وللفائدة:

قال أحد كبار علماء الشيعة لأحد أساتذتي وهو يناقشه في هذا الموضوع، قال: نحن لا نجيز نكاح المتعة إلا في حدود ضيقة وإلا لانهار المجتمع.

وقال أحدهم في قناة تلفزيونية أنه لا يرضى أن تتزوج بناته بزواج المتعة على حد تعبيره.

قال أبو عاصم النبيل: كان ابن جريج من العباد. كان يصوم الدهر سوى ثلاثة أيام من الشهر. وكان له امرأة عابدة. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلبا للجماع. وروي عن عبد الرزاق قال: كان ابن جريج يخضب بالسواد، ويتغلى بالغالية، وكان من ملوك القراء، خرجنا معه وأتاه سائل، فناوله دينارا.

وابن جريح عالم فاضل ثبت، وأراني منحرجا من نقل ما نقله العلماء، ولكن ما وسع أهل العلم نقله للتوضيح لابد أن يسعني، فالمقام مقام علم.

الإمام الشافعي أنكر على ابن جريح اجتهاده، بالعبارة السابقة كما أفهم، وابن جريح له عذره فيمكن أن تكون خفيت عليه بعض الأدلة.

وهذا لا يقلل من قيمة مروياته في الصحيح؛ فقد روى بعض أهل العلم عن الشيعة، وأهل العلم لهم قواعدهم الصارمة التي ليس المجال هنا مجال التفصيل فيها، وهي معروفة لأهل العلم.

أما بالنسبة للنساء الذين تزوج بهن أو استمتع بهن ابن جريح:

المعروف أن خطأ العالم في اجتهاده خطير وهذا واضح، وإن كان مأجورا، وأذكر هنا مقولة لأهل العلم تذكر المجتهد بأن يحتاط في ما يخص الأعراض أكثر من احتياطه في غير ذلك، ولا أقصد أن ابن جريح لم يحتاط ولكن المقصود بيان خطورة الأمر.

والله أعلم وأحكم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015