ـ[مني لملوم]ــــــــ[24 عز وجلec 2010, 12:29 ص]ـ
قصتي مع قصة في التاريخ:
كنت في المرحلة الثانوية عندما دخلت مدرسة الفصل وكان موضوع الدرس عن الأندلس وفتح طارق بن زياد لها
وبدأت تتحدث عن خطبته العصماء الشهيرة التي جاء فيها “أيها الناس: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيوشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم"
فقلت للمدرسة لماذا؟
فقالت لي لماذا ماذا؟
فقلت لها لماذا يحرق السفن؟
قالت ليستميتوا في القتال!!
فقلت لها ليسوا في حاجة لذلك
قالت لي: كيف؟
فقلت لها: قاتل المسلمون في حروب كثيرة وانتصروا ولم يكن هدفهم الدفاع عن أرواحهم للاستماتة في القتال ولكن للدفاع عن الدين، ثم إن السفن ليست ملكه ليحرقها، وماذا لو انهزموا؟ لن تكون أمامهم الفرصة .. !!!
فقالت لي - وهي معذورة في ذلك- اجلسي أنت لا تعرفي في التاريخ.
ومنذ حوالي 3 سنوات وجدت ضالتي أخيرا في كتاب قديم لدكتور عبد الحليم عويس اسمه احراق طارق بن زياد للسفن أسطورة…لا تاريخ!!
فالتقطه بشغف وقرأته فوجدت ضالتي فيه وعلي قدر سعادتي بمعرفة جزء هام تم تزييفه من تاريخنا علي قدر حزني علي غيره الذي ما زلنا نجهل الصحيح منه.
جزء من مقال لدكتور عبد الحليم عويس
طارق … وأسطورة إحراق السفن:
لم يرد أي ذكر ـ ولا أدنى إشارة ـ حول قصة إحراق السفن لدى ابن القوطية؛ الذي يعتبر مصدراً من المصادر الأساسية في فتح الأندلس.
أما صاحب “أخبار مجموعة”؛ الذي يعدّ أيضاً من أوثق المصادر في تاريخ الفتح الإسلامي للأندلس، والمنسوب إلى القرن الرابع الهجري، فهو من هؤلاء الذين لم يوردوا أي ذكر لحادثة إحراق السفن هذه، على الرغم من أن “أخبار مجموعة” من أقدم الكتب ـ بعد جيل ابن عبد الحكم وابن حبيب ـ في التأريخ لفتح الأندلس.
إن هذين المصدرين ـ تاريخ ابن القوطية، وأخبار مجموعة ـ هما أقدم المصادر الأندلسية؛ التي بين أيدينا، وهما يتميزان على المصادر السابقة، والتي نعرف منها: “فتوح مصر والمغرب والأندلس” لابن عبد الحكم، و”مبتدأ خلق الدنيا” لابن حبيب؛ بأنهما مصدران ينتميان إلى المدرسة الأندلسية، بل هما الاستهلال للكتابة التاريخية الأندلسية، بينما كان ابن عبد الحكم، وابن حبيب؛ ينتميان إلى المدرسة المصرية؛ التي سبقت في كتابة تاريخ الأندلس.
وليس من المعقول ـ كما يقول الدكتور/ محمود مكي ـ أن يخفى هذا الخبر الهام على كل المؤرخين السابقين، فلا يعرفه إلا الإدريسي (أبو عبد الله محمد)؛ الذي توفي سنة (560هـ)، وألف كتابه “نزهة المشتاق” سنة (548هـ)، ومعاصروه أبو مروان عبد الملك بن الكردبوس؛ الذي لم تعرف سنة وفاته، على خلاف في أيهما سبق الآخر، وأخذ عنه، وهو خلاف لا طائل وراءه فهما متعاصران، وإن كنا نميل إلى سبق الإدريسي؛ لأنه أكثر تفصيلاً، وعنه أخذ الحميري محمد بن عبد الله صاحب “الروض المعطار” وهو الثالث؛ الذي تبعهما في ترديد هذه الرواية، كما أن من المرجح أن يكون ابن الكردبوس قد توفي في نهاية القرن السادس الهجري، ويكون ثمة احتمال بسبق الإدريسي عنه في الزمان حتى وإن تعاصرا.
وتعتبر هذه النصوص الثلاثة؛ التي وردت عند الشريف الإدريسي والحميري ـ الناقل عن الإدريسي ـ وابن الكردبوس، هي الأصل الذي اعتمدت عليه كل المصادر التاريخية؛ التي أشارت إلى قصة الإحراق.
ولا أثر للقصة ـ كما يثبت رصدنا هذا الذي حاولنا أن يصل إلى درجة الحصر ـ في بقية المصادر الأندلسية الأصلية، سواء تلك التي سبقت هذه المصادر، أو التي عاصرتها في القرن السادس، أو التي لحقتها حتى نهاية القرن الثامن الهجري.
وإلى جانب رفض التاريخ لقصة أو أسطورة إحراق طارق السفن … نضيف أن الشريعة
ـ أيضاً ـ لا تقبلها؛ بل تعدها نوعاً من الانتحار غير المباشر، وعلى هذا الأساس فإن لنا أن نتساءل: كيف سكت التابعون على إحراق طارق للسفن؟ وهل يعني هذا مشروعية هذا العمل من الناحية الإسلامية؟ وفي عصر كعصر التابعين ولما ينته القرن الأول الهجري: هل تسمح هذه البيئة الإسلامية بإحراق السفن دون معارضة، ودون احتجاج من الساسة، أو الفقهاء، أو المفكرين، أو الشعراء؟
ومن زاوية أخرى ـ شرعية أيضاً ـ هل يجوز في الإسلام مبدأ المغامرات الانتحارية؟ لقد انسحب المسلمون بقيادة خالد بن الوليد من موقعة (مؤتة) بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب،
وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة؛ حين أدرك خالد ومعظم الجيش أن المعركة انتحارية إزاء هذا الفارق في العدد بين جيش المسلمين، وجيش الروم.
وقد كان هناك مسلمون فدائيون يطلبون الاستمرار في القتال، ومع ذلك آثر الجيش الانسحاب بقيادة خالد بن الوليد، وسماهم الرسول ? (الكرار) رداً على من سخروا منهم في المدينة وسموهم (الفرار).
أليس هذا السلوك النبويّ تشريعاً إسلامياً يُحَرِّم المغامرات الانتحارية، ويُجيزُ الانسحاب في حالة وجود مفاجآت تجعل المعركة إبادة للمسلمين؟
ومن جانب آخر نتساءل: هل هذه الخسارة المالية؛ التي لا جدوى كبيرة وراءها في عصر يصعب فيه صناعة السفن، والتي يمكن أن توجد طرق بديلة عنها، هل هي جائزة شرعاً؟
إن كل هذه الجوانب، سواء تلك التي تتصل بالتضحية بالبشر (اثني عشر ألف جندي وسبعمائة تقريباً)، أم بالسفن؛ تجعل من إقدام طارق على هذا الإحراق عملاً مخلاً بالشريعة، وهو ما لا يمكن للتابعين ـ بشكل يشبه التواطؤ ـ أن يسكتوا عليه، أو على الأقل أن لا يظهر أي خلاف فقهي حوله … لكن هذا السكوت يعني أنه لم تكن هناك قضية من هذا القبيل، ولم يثر بالتالي أي خلاف؛ لأنه لا يمكن إثارة أي خلاف حول قضية لم تحدث فعلاً، وهو ما نميل إليه بالنسبة لتابعي صالحٍ مثل طارق بن زياد، وبالنسبة لمن معه من التابعين ـ رضي الله عنهم ـ
فكم نحن بحاجة لالتهام كتب التاريخ التي تتحدث بصدق عن تاريخنا الرائع وأحوج منه لنشره علي الجميع لنصحح تاريخنا المغلوط ونبني غدنا المشرق إن شاء الله
¥