وقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] .. يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته.
وقوله: { .. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] .. يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطريق الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل.
فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة" [الفوائد (1:19)]
http://www.manhag.net/main/misc/images/rose-sep.jpg
طبيعة السبيل إلى الله عزَّ وجلَّ
لقد وردت الأصول لمعرفة الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ في سورتي المزمل والإنسان، التي وضحت لنا الأسس والدوافع لاتخاذ السبيل إلى الله تبارك وتعالى ..
أُسس السير إلى الله تعالى من سورة المزمل ..
الأساس الأول: المنهج الربَّاني لإدارة الحياة ..
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (*) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (*) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (*) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (*) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (*) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (*) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (*) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 1,8]
فوضحت لنا السورة الكريمة الأربعة الأسس التي ينبغي أن يُقيم عليها العبد سيرهُ إلى الله تعالى، وبها يكون الثبات والاستقامة .. وتلك الأسس هي:
1) القيام .. ولن يكفيك مجرد ركعتين قصيرتين قبل الفجر، وإنما أن تقوم الليل وتقضي لحظات المناجاة للتعرُّف على ربِّكَ عزَّ وجلَّ.
2) تلاوة القرآن .. ولن تُجدي القراءة السريعة بهدف جمع الحسنات، إنما أن تُرَتِل القرآن وتتذوق كلماته وتستشعر معانيه؛ فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبُّر والتفكُّر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له [تفسير السعدي] .. حتى يوفقك الله سبحانه وتعالى للسير في طريقه المستقيم.
3) ذكر الله سبحانه وتعالى .. وقد بينت الآيات أن الإنسان سينشغل في أعماله اليومية وسيقع تحت سطوة الغفلة؛ لذا عليه أن يتحصَّن بذكر الله تعالى وبذلك يقي نفسه من شر فتن الدنيا .. فليكن شعارك دائمًا:
اعمل ولا تغْفَل،،
4) التبتُل .. خُذ بحظك من العزلة وانقطع إلى الله تعالى، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرب إليه، ويدني من رضاه. [تفسير السعدي]
الأساس الثاني: التوكل على الله تعالى وعدم الركون على الأسباب ..
قال تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 9]
وفيها تذكرة للعُبَّاد أن كل ما سخره الله تعالى لنا ما بين المشرق والمغرب مربوبٌ لله عزَّ وجلَّ، فتوكَّل على مُسبب الأسباب ولا تركن إلى السبب.
وفي الطريق سيحدث منك التفاتًا يمنة ويسرى، فيركن قلبك على الدنيا والمال وينشغل بالنعمة عن المُنْعِم .. والله سبحانه وتعالى هو ربُّ المشارق والمغارب، فاتخذه وكيلاً وفوِّض أمرك إليه ..
لا تركن بقلبك على السبب، وتذكَّر دائمًا أن الله تعالى هو الوكيل،،
الأساس الثالث: الصبر على الابتلاء وهجر المخالفين ..
قال تعالى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]
تذكرة للعُبَّاد بأن الدنيا دار ابتلاء وفتن، وأنه لا سبيل للنصر إلا بالصبر .. وأنه بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين .. ومما يُعين العبد على ذلك هجر المخالفين والابتعاد عن البيئات المفتنة والمثبطة.
ففي الطريق إلى الله تبارك وتعالى لابد أن تؤذى ويعاديك الأعداء وتلقى وساوس من الشياطين، وستجد من يتهمك بالفشل والضلال والكثير مما يصدك عن سبيل الله .. وقد تستمع لتثبيطهم أحيانًا وتُبتلى لتمحيص إيمانك وصدقك ..
فاصبر على إيذائهم وابتعد عنهم ولا تنصت لما يلوِّث قلبك ..
اهجر بيئة الدنيا المُفتنة،،
الأساس الرابع: الجحود أصل الكُفران ..
¥