ولنر إلى قول ستيفن في النص الفرنسي: "وإذا كان إدوار على حق فإني أدعو الله ألا يطيل أيامي إلى ما بعد تحطم آمالي وألا يُكْتَب علىّ ارتداء ملابس الحداد على روحي وألا أرى نفسي، بعد شعوري بأن رأسي قد بلغ السحاب وأن أنفاس الملائكة تداعبه، قد عدتُ أزحف في التراب مثل سلحفاة باردة! "، ولنقارن بينه وبين ما جاء عند المنفلوطي من قوله: "إن اليوم الذي أشعر فيه بخيبة آمالي وانقطاع حبل رجائي يجب أن يكون آخر يوم من أيام حياتي. فلا خير في حياة يحياها المرء بغير قلب، ولا خير في قلب يخفق بغير حب"، ولسوف ترى بنفسك بكل سهولة ما صنع المنفلوطي في نقل المعنى إلى العربية، وما لجأ فيه إلى الاختصار أو التحوير))

((وإلى جانب ما مضى ثَمّ تأثيرات عربية إسلامية يلقاها الباحث في "ماجدولين" المنفلوطي: منها قوله مثلا (في بدء الفصل السابع عنده، والعاشر عند كار (مؤلف الرواية الفرنسية) عن والد الفتاة: "فنظر نظرة فى النجوم وقال: ما أحسب إلا أن السماء ستمطرنا هذه الليلة مطرا غزيرا ... "، إذ لا وجود لمثل تلك النظرة في "ماجدولين" كار: لا في النجوم ولا في غير النجوم. وكل ما هنالك هو أن مولر "كان يدخن غليونه ويفرك يديه فقال: ... ". وواضح أن المنفلوطي قد استجلب العبارة المذكورة استجلابا من القرآن الكريم (الآية 88 من سورة "الصافات") استمتاعا باستعمالها في حد ذاتها دون أن يكون في الرواية الأصلية ما يدعو إلى استخدامها)).

((ويقول بطل الرواية فيما أنطقه به كاتبنا المصري واصفا مشاعره عند ذكره اسم ماجدولين وهو في الماء يوشك أن يغرق: "فلما ذكرتُك استروحتُ من ذكراك ما استروح يعقوب من قميص يوسف"، وهو ما لا وجود له أيضا في النص الفرنسي. والإشارة هنا إلى ما جاء في سورة "يوسف" عن يعقوب صلى الله عليه وسلم حين ظل يبكى حزنا على ابنه المفقود حتى "ابيضَّتْ عيناه من الحزن فهو كظيم"، إلى أن أتاه البشير في نهاية المطاف بقميص يوسف من مصر ووضعه على وجهه فارتد بصيرا في الحال. وهذه النقطة ليست موجودة في قصة يوسف حسبما نقرأ في الكتاب المقدس (الإصحاح السابع والثلاثين من سفر "التكوين")، بل كل ما فيه أنه عندما أخبر يعقوبَ أبناؤه بأن الذئب افترس يوسف وقدموا إليه قميصه المغموس في الدم صاح قائلا: " «قَمِيصُ ابْنِي! وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ، افْتُرِسَ يُوسُفُ افْتِرَاسًا». 34فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَ مِسْحًا عَلَى حَقَوَيْهِ، وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً. 35فَقَامَ جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ، فَأَبَى أَنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: «إِنِّي أَنْزِلُ إِلَى ابْنِي نَائِحًا إِلَى الْهَاوِيَةِ»، وَبَكَى عَلَيْهِ"، وذلك دون أي ذكر لابيضاض عينيه كما جاء في القرآن المجيد، كما أنه لا ذكر مطلقا في رواية الكتاب المقدس لواقعة إلقاء القميص على عيني يعقوب وارتداد بصره إليه.

وفى الفصل الثالث والخمسين من "ماجدولين" العربية، المناظر للفصل الرابع عشرة بعد المائة لَدُنْ كار الفرنسية، يكتب المنفلوطي على لسان سوزان، التي لم تكن تحبذ زواج صديقتها ماجدولين من ستيفن لفقره وغيرته الشديدة وما تدفعه إليه تلك الغيرة من تضييق عنيف عليها: "والله لو جاء في خِطْبتي مَلَكٌ من ملائكة السماء يحمل على رأسه تاج الملإ الأعلى ويمهرني بالجنة وما فيها من حُورٍ ووِلْدانٍ ورَوْحٍ وريحان ويَعِدني بالخلود الدائم والنعيم الذي لا يفنى على أن يضعني في قفص مثل هذا القفص الذي أعدّه لك هذا الخطيب المأفون لآثَرْتُ موت الفجأة والتغلغل في أعماق السجون والفرار إلى أديرة الصحارى المنقطعة على الرضا به والنزول على شَرْطه". وليس شيء من هذا في الأصل الفرنسي، ولا يمكن أن يكون. فملكوت السماوات عند النصارى ليس فيه حُورٌ ووِلْدان كالذي في جنتنا، كما أن "الملأ الأعلى" اصطلاح إسلامي لا تعرفه النصرانية. كما أن في تركيب الكلام صدى قويا من رد سيدنا رسول الله على عمه أبى طالب في السيرة النبوية حين اقترح عليه، بناء على إلحاح قريش، أن يلاينهم بعض الشيء، إذ قال له: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظْهِره الله أو أَهْلِك فيه ما تركته". ثم إنه لا صحارى في فرنسا ولا في أي مكان من أوربا، ومن ثم لا يمكن

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015