د. الطيار: لما قال: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) ما الذي يحصل من تحريف الكلم عن مواضعه؟! مثل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من غيّر منار الأرض) منار الأرض يُضلّ صاحبه

د. الشهري: إضلال من كان يعتمد عليه للإستدلال

د. الطيار: فكذلك هنا لمّا تحّرف الكلم عن مواضعه فمن سيقرأ هذا الكلم بعد تحريفه فإنه سيضلّ, من يكون جاهلاً بالمعنى لمّا يسألك عن المعنى فتُعطيه المعنى الخطأ هذا أيضاً تحريف للكلم عن مواضعه يعني جعلت الكلمة أو الجملة تدل على معنى جعلتها تدل على معنى آخر. ولا شك أنّ هذا من الخطورة بمكان. وهذا يقع فيه طبعًا التحريف في القرآن, التحريف الأول لا يمكن أن نقع فيه اللفظي مستحيل, والدليل على استحالته الواقع فها هو الكتاب منذ أن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليوم لم يستطع أحد أن يزيد فيه حرفًا ولا ينقص منه حرفاً

د. الخضيري: أراد بعض الناس فأخزاهم الله لمّا قالوا وكلّم اللهَ موسى تكليمًا, أرادوا نصب لفظ الجلالة من أجل أن تتوافق مع مذهبهم, لكنّ هذا لا ينطلي ولا حتى على السُذّج من المسلمين لأنّ الله قد حفظ القرآن بحفظٍ تام

د. الطيار: صحيح ولهذا نجد حتى الآن بعض المصاحف لمّا يقع بها خطأ ولو كان يسيراً, يُكتشف بسرعة وتصادر للمصاحف, والآن نسمع من شهر أو شهرين, أذكر في الملتقى كان فيه إشارة إلى مصحف فيه بعض الأخطاء فسُحِب. فكرة أخرى, وهي تحريف المعنى هذا لا تكاد تسلم منه أمّة

د. الخضيري: التحريف المقصود يا أبو عبد الملك أو التحريف الذي يقع على وجه الخطأ؟!

د. الطيار: لا، هو نوعان لكن أتكلم عن التحريف المقصود. فاليهود وقع عندهم تحريف في المعنى مقصود والنصارى وقع عندهم تحريف في المعنى مقصود, وكذلك الطوائِف ممّن ينتسب إلى الإسلام وقع عندهم تحريف المعنى المقصود مثل ضُلّال الباطنية والرافضة والقرامطة كل هؤلاء عندهم تحريفات تعتبر عندهم من التحريف الباطني المقصود, أمّا غير المقصود فهذا يقع عند بعض الطوائف أيضاً والحق كما يُقال عليه دليل

د. الخضيري: قبل أن نُغادر الجملة الأولى من الآية (منَ الَّذِينَ هَادُواْ) ممكن نُبيّن للإخوة المشاهدين من هم الذين هادوا وما معنى هذه الكلمة وأصلها؟!

د. الشهري: طبعاً هذا الكلمة فيها إشارة إلى الإنصاف, إنصاف الله سبحانه وتعالى لليهود بأنّه لم يجعلهم كلهم من المحرّفين وإنّما إنصافاً ذكر أنّ طائفة منهم هم الذين يفعلون ذلك (منَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)

د. الخضيري: لكنّهم جميعهم أعداءنا لأنّ في الآية السابقة (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) لمّا جاء إلى ذكر صفات معيّنة منهم ميّز وذكر ذلك بالعدل والإنصاف وهذه إشارة جميلة جداً دكتور عبد الرحمن

د. الشهري: ممتاز, الأمر الثاني (هادوا) مأخوذة من الهَوْد وهو الرجوع, قال: (إنا هدنا إليك) يعني رجعنا إليك

د. الخضيري: الرجوع هنا طبعاً عن عبادة العجل

د. الشهري: نعم فاليهود سُمّوا باليهود لأنهم رجعوا عن عبادة العجل أحسنت وتابوا منها فسُمّوا يهوداً لهذا. هنا قال: (من الذين هادوا) والمقصود بهم اليهود

د. الخضيري: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) الكلِم ما معناها؟!

د. الشهري: يعني يُحرّفون كلام الله الذي أنزله في كتابه التوراة, انظر ما أجمل التعبير! (يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) يعني يُغيّرون دلالاته, هو يدل على شيء وهم يحملُونه على شيء آخر فكأنّهم وضعوه في غير موضعه (يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)

د. الخضيري: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) انظر هذا التحريف سمّاه الله كذباً (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). قوله (ويقولون) الآن هذا وصفٌ آخر لهم أنّهم يقولون سمعنا وعصينا, الغريب لو قالوا عصينا أو قالوا سمعنا وسننظر, لا، سمعنا وبلغتنا هذه الدعوة وقامت علينا الحجة ببلوغها إيّانا ومع ذلك نحن نُقابل هذا السماع بالعصيان, فهذا غاية ما يكون من الجحود والإصرار والعناد والإنكار

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015