د. الشّهري: في قوله (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) والحديث هنا عن الإنفاق يا شيخ محمد، ما علاقة هذه الآية بما قبلها من الآيات؟
د. الخضيري: أنا أقول هذه ممّا يُؤَكِّد ما ذكَرتَهُ قبل قليل يا دكتور مساعد (وكان الله بهم عليماً) أنَّه يُراد بها التّرَهيب لأولئك الذِّين أنفقوا رئاءً، أو بَخِلُوا، والتّرغيب في أنَّ ما أنفَقَهُ الإنسان فسيُخلِفُه الله عليه ولذلك قال (إنّ الله لا يظلمُ مثقال ذَرّة) يعني من علمه جلّ وعلا أنّ ما تُنفِقُه ولو كان مثقال ذَرّة وهذا غير حتّى مُتَصَّور لكن يُراد به في القلّة (لا يَظلِمُ مثقال ذَرّة) وإن كان شيئاً قليلاً لا يكاد يُرى بالعين المُجَرَّدة فالله عزّ وجل يُحصيه لك، ويُجازيكَ به، ويُعطيك أجره.
د. الشِّهري: (فمن يعمل مثقال ذَرّةٍ خيراً يَرَه. ومن يعمل مثقال ذَرّة شرّاً يره)
د. الخضيري: وبالمناسبة ما يأتي في مثل هذه الأساليب في ذِكر أقلّ القليل أوّ الكثير لا مفهوم له، لا يعني إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة، أنَّ ما دون مثقال الذّرة يظلمه! لا، أستغفر الله، إنّما المراد المبالغة.
د. الشهري: ولذلك قال في آية أخرى (إنَّ الله لا يظلم النّاس شيئاً)
د. الخضيري: وفي الكَثرة قال (إن تستغفر سبعين مرّة) فلا يعني هذا انّه لو استغفر لهم واحداً وسبعين أو سبعمائة لَغَفَرَ الله لهم
د. الطيَّار: طبعاً الذَّرة هنا، بعض السَّلف مثل ابن عباس قال: رأس النَّملة أو عين النّملة الحمراء، وبعضهُم قال: النَّملة، وبعضهم قال الهَباءة، وبعضُهُم قال الخَردلة التِّي تكون مُتناهية في الصَّغر. في قراءة لابن مسعود (إنّ الله لا يظلم مثقال نملة).
د. الشِّهري: عجيب!.
د. الخضيري: إذا فتُفَسَّر الذَرّة على أنَّها النَّملة بهذه القراءة.
د. الطيّار: نعم، كُلّ هذه التَّعبيِرات التِّي وردتها عن السَّلف، فيها إشارة إلى القلّة شيء قليل جِدّاً لا يكاد يُوزن.
د. الخضيري: وإن كُلّ ما يعمله الإنسان يُمكن أن يكون فوقه، وهذا ملحظ مهم جِدّاً
د. الطيّار: نعم، ولهذا لما قال لقمان (يا بُنيَّ إنّها إن تَكُ مثقالَ حبَّةٍ من خردلٍ فَتَكُن في صخرةٍ أو في السَّموات أو في الأرض يأتِ بها الله) بِمَعنى أنَّ عِلمَ الله سبحانه وتعالى يَتَنَاهي إلى هَذا الشَّيء الحَقير الذِّي لا يَكاد يُرى ويأتِي به سبحانه وتعالى في أيّ مكان كان.
د. الشِّهري: هل يَصِّح يا شيخ أننّا نُفَسِّر الآية هنا الذّرة بأنَّها أصغر جزء من المادة التّي تتكّون من البُروتونات والنيّترونات ...
د. الخضيري: ما هُنَاك شيء يمنع من ذلك، لأنَّ هذا الأُسلُوب عند العرب، هو أصلاً لو عبَّر الله سبحانه وتعالى بغير هذا ممّا اكتشفه النّاس الآن ما فَهمِه العرب، فالله عبَّر بما يُعَبِّر به العرب من الدّلالة على الصِّغَر، فالمقصود ذكر اللّفظة التي تدُلّ على هذا المعنى. قوله تعالى (إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) طبعاً لا يُراد بها نفي الظُّلم عن الله مُجردَّاً دون إثبات ضِدَّه وهو كَمَال العَدل، لأنّ النّفي المُجَرَّد ليس كَمَالاً ولا مدحاً.
د. الشّهري: مثل ما أقول والله أنت لستَ بخيلاً، وَلَستَ أحمقاً، وَلَستَ مُغفّلاً، وَلَست جاهلاً، وَلَست ....
د. الخضيري: لا، هذا بالمناسبة يكُون مَدحاً
د. الشهري: لا، بالعكس.
د. الخضيري: لأنَّ المُراد منه إثبات – إن شاء الله – الكمال، لكِن قُل هذا التُّراب وهذا الجِدار ليس بخيلاً، ولا جَواداً ولا شُجاعاً، ليس مدحاً له، لأنَّه لا يتضَّمن كَمَال ضِدِّهِ.
د. الشِّهري: ولكن أحيانًا عندما آتي وأقول يا شيخ محمد الرَّجل ليس أحمقاً وليس مغَفّلاً هذا الحقيقة أشبه ما يكون بالتَّطويل
د. الطيّار: تطويل في غير مَحِلّه.
د. الخضيري: قُبيِّلة لا يَغدرُون بِذِّمَةٍ ولا يَظلِمون النَّاسَ حبة خردل
د. الشهري: المدح بنفي النّقص ليس في الحقيقة أسلوب مقبول يدلّ على المدح.
د. الخضيري: ولذلك نحن نقول لا يظلم لِكَمَال عَدلِه، لَيس لِعَجزه ولا لعدم قدرته
د. الطيّار: أحسنت، (وإن تَكُ حسنةً) بالفتح، وفي قراءة (وإن تَكُ حسنةٌ) بالضَّم فتكون كانَ تامّة، هذه من أمثلة (كان) التامة وقلنا أن كانَ التّامة قليلة.
د. الخضيري: يعني وإن تُوجد حسنةً أو تحدُث حسنةٌ يُضاعفها ويُؤتِ مِن لدُنهُ أجراً عظيماً.
¥