هذه السورة العظيمة أيّها الأحبّة سورة افتتح الله تعالى بها كتابه العظيم, وهي كما نعلم هي أعظم سورة في كتاب الله تعالى كما سيأتي في فضلها, لكننا لعلّنا نتحدث أولاً عمّا يُفتتح به قراءة القرآن من الاستعاذة والبسملة, فقوله: (أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَيْطَانِ الرَّجِيمْ) هذه الكلمة يُفتتح بها كتاب الله تعالى كل قارئ, وليست آيةً من كتاب الله عزّوجل, وإنمّا الغرض منها هو التجرّد من حظّ الشيطان وقطع السبيل عليه إلى أن ينال من قلبك حين تبتدئ كتاب الله عزوجل, بأن يجعل من قراءتك نصيباً لغير الله تعالى, فإنّك بهذه الاستفتاح تقطع طريق الشيطان, وقولك (أَعُوذُ) بمعنى: ألتجئ, (أَعُوذُ) بمعنى: ألتجئ من الشيطان الرجيم, والشيطان هو كل عاتٍ متمّردٍ من الجن والإنس, وإنمّا سُميّ شيطاناً بمعنى: شَطُن, بمعنى: بَعُد فهو شيطان مرجوم مبعد عن رحمة الله عزّوجل.
وفي هذه الاستعاذة أيّها الأحبّة وقولك (أَعُوذُ بِاللهِ) اعتراف منك أيّها العبد الضعيف بعجزك والتجاء منك وإيمان ٌبربّك سبحانه وتعالى القادر أن يدفع عنك هذا الشيطان وشرّه ووسوسته, ولا سبيل أيّها الأحبّة إلى القرب من الله عزوجل إلاّ بأن يعترف الإنسان بضعفه, وبأن يعترف الإنسان بقدرة الله عزوجل وفضله عليه.
والعلاقة بين الاستعاذة والبسملة هناك علاقة لطيفة: وهي أنك تبتعد من الشيطان الرجيم الذي يريد أن يصدّك عن ذكر الله, لتصل إلى الرحمن الرحيم الذي يريد لك الخير ويريد لك دار السلام والهداية في الدنيا, والنجاة والتوفيق في الآخرة, فإنّك في الاستعاذة تبتعد عن هذا الشيطان, وفي البسملة تقترب من ربّك الرحمن الرحيم.
أمّا البسملة أيّها الأحبّة فهي آية من كتاب الله تعالى أُنزلت على القول الصحيح للفصل بين السور في خلاف طويل لا يسع المقام لتفصيله, فقيل: أنّها آية من الفاتحة, وقيل: أنّها آية أُنزلت للفصل بين السور, وهي آية من سورة النمل في قصة النمل, وقد رُوي عن جعفر الصادق أنّه قال: البسملة تيجان السور, وهذا يدلّ كما قال القرطبي رحمه الله: أنّها ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها, (2)
وإذا قلنا ذلك دلّ على أنّ قراءة البسملة في الصلاة ليست ركناً في الفاتحة, هذا على القول برجحان أنّ البسملة ليست من الفاتحة, أمّا على القول بأنّها من الفاتحة فلا بدّ للقارئ في الصلاة أن يقرأها.
هذه البسملة تأمّلوا فيها جيداً تجدوا أنّها تضمنّت ثلاثة أسماء, هذه الأسماء هي الله والرحمن والرحيم, هذه الأسماء أيّها الأحبّة هي أصل الأسماء كما قال ابن القيم وأعظمها وأجملها, هي أصل الأسماء وأجلّها وأجملها, واسم الله لفظ الجلالة (اللهِ) هو أعظم الأسماء وإليها مرجع الأسماء كلها, فهو مشتمل عليها جميعاً, أمّا (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فلشمول معنى الرحمة التي عليها مدار الدارين, الرحمة عليها مدار الدارين, وعليها مدار القبول والنجاة في الدنيا والآخرة, ولذلك تضمّنت هذه البسملة هذه الأسماء الثلاثة, والغرض منها والقصد الافتتاح للتبّرك والتيمّن, فإنّك تقول: أستعين بالله تعالى باسمه الرحمن الرحيم, وهذا لاشكّ دافع وداع ٍبإذن الله تعالى إلى عون الله لك وتوفيقك, وقولك: (ِبسْمِ اللّهِ) بمعنى باسم الله أقرأ, حينما تفتح الباب أو تدخل في المسجد تقول: باسم الله أدخل, وحينما تكتب تقول: باسم الله, في نيتك أكتب وهكذا, فالمتعلّق مُتعلّق الباء محذوف يُقدّر على حسب الفعل الذي يفعله الإنسان, ففي القراءة يقصد بقوله: (بسم الله) أي باسم الله أقرأ.
أمّا سورتنا العظيمة سورة الفاتحة أيها الأحبة, وربّما يكون لنا سعة من الوقت في بيانها والتطويل فيها, ذلك أنّها أيّها الإخوة سورة عظيمة, وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول واسمع ما يقول, يقول: (لو شئت لأوقرت لكم - يعني حمّلت لكم- سبعين بعيراً من سورة الفاتحة) الله أكبر!
¥