تُلاحظ التَّشبيه بالكلب وكيف أنَّه شبَّه عَالم السُّوء الذِّي نكص على عقبيه بالكلب. طبعاً هذه صورة الحقيقة في غاية البشاعة. سيّد قطب يقول: منذ وأنا صغير وأنا أتأمّل هذه الصُّورة! وتأمّلت مثل قوله سبحانه وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ) الآية 11 من سورة الحجّ. أتصوَّر شخص على حَافَّة مكان هَاوي يتأَرجَح!. فيقول: لَفتت نظري هذه الفِكرة وبدأت أكتُب هَذه الصُوَر، أُبرز الصُّور التّي في القرآن الكريم وأَتتَّبَعُها، واقترح أنّها تكون رسالة دكتوراة لكن لم يتصدّى لها أحد فأبرزَها في كتابه هذا. الحقيقة كتابه هذا يُعتبَر مُميّز جِدّا واستطاع من خلاله أن يُبيِّن المقصود بالتَّصوير الفَنِّي في القرآن ويضرب على ذلك أمثلة كثيرة.
المقدّم: هذا إبداع جديد.
الضيف: نعم لا شك، وحتى لا يُظلَم الرَّجُل هذا فعلاً شيءٌ استطاع أن يُبيِّنه، تماماً كما صَنَعَ عبدالقاهر الجرجاني في نظرية النّظم وقراءة الشِّعر. فأراد سيد قطب أن يُطبِّق هذه النَّظرية في التّفسير بشكل أوسع من خلال زاويته " في ظِلالِ القرآن" في مجلّة المسلمون كَتبَ سبع مقالات في مجلّة المسلمون ثمّ توقَّف، وقال في المقالة الأخيرة أننّي سوف أبدأ من الأسبوع القادم في موضوع آخر، وأمّا في ظِلال القُرآن سوف أُخرِجُهُ في كتاب. طبعاً هو كتب إلى الآية (103) من سورة البقرة في المقالات، وَلَقِيَت المقالات قَبُولاً عند النَّاس وبدأُوا يُتابِعُونها بشكل جيّد. وهذا يَدُلّ يا شيخ إبراهيم على أنّ النّاس كانوا يقرأون في ذلك الوقت. لاحظ أنّه نشر أوّل مقالة من الكتاب في يوم 6/ 5/ 1371 يعني قبل سِتين سنة تقريباً. فهذه المرحلة الأولى.
في ظلال القرآن (المرحلة الثانية)
لمّا بدأ سيّد قُطُب يُخرِجها في كِتاب أَخرج الكتاب فعلاً في أكتوبر عام 1952 خَرَج الجزء الأوّل. وعد القُرّاء أنّه سيُخرِج كل شهرين تفسير جزء، فِعلاً أخرَجَ أربعة عشرة جُزءاً في هذه المرحلة.
في ظلال القرآن (المرحلة الثالثة)
اُعتُقِلَ سيد قُطُب. كما تعلم أنَّ سيد قُطُب – رحمه الله- اِنتمى في آخر عمره إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان قبلها لا ينتمي لأحد. وسيد قطب بالمناسبة من الأُدباء النُّقاد الشَّرِسين كان له معارك أدبية، كان في صَفّ العقّاد ضد الرّافعي ومحمود شاكر رحمهم الله جميعاً وغفر الله لهم. كانَ شَديد المِراس في كتابته مع أنّه كان نحيل الجِسم – رحمه الله-. ولذلك أذكر علي الطَّنطاوي رحمه الله- يقول: التقيت بسيد قُطب في مكتب خالي مُحبِّ الدِّين الخطيب ففوجئت به! قال: شخص نحيف، وديع، قال: وكنت أقرأ لهُ مقالاته في مجلّة الرّسالة في غاية القُوّة والقسوة فيقول: كنت أتوقع الشّخص غير هذا، رحمهم الله جميعاً.
فالشّاهد أنّه لمّا اُعتقِلَ بعد أن أتّم أربعة عشر جُزءاً وصل إلى نهاية سورة إبراهيم تقريباً. اُعتُقِلَ وَدَخل السِّجن فبقي في أوّل سجنه ما استطاع أن يُكمِل وكان متّفق مع دار إحياء التراث العربي التي هي البابي الحَلَبي (المكتبة) أنّه يُكمِل التّفسير. فلمَّا دخل السِّجن ومُنِع من الكتابة رفع دعوى البابي الحلبي على الحُكومة لأنّهم الآن منعُوه من حَقِّه سوفَ يُكلِّفه توَّقُف التَّفسير آلاف الجُنيهات وهو يُطالِب بدفع الحكومة لهذه الجُنيهات. أو أنّهم يَتركُون سيد قطب يُكمِل الكِتاب. فرأت الحكومة كون سيد قطب يُكمِل الكتاب أقلّ كُلفة من أنّهم يدفعون. فعلاً بدأ سيد قطب رحمه الله يكتب بقيّة الكتاب وهو في المستشفى لأنّه مَرِض وكانَ عليل الجسم، فخرج من السّجن ودخل إلى المستشفى وبدأ يكتُب بقيِّة أجزاء التَّفسر فعلاً، وعَيَّنت الحُكومة الشِّيخ محمد الغزالي رحمه الله يُراجِع التَّفسير، يعني يكتُب سيد قُطب يُراجعه الشِّيخ محمد الغزالي، ثمّ يأذن بطباعته. فيقولون أنّه لم يقف أمام أيّ شيء كَتَبه سيّد قطب إلاّ عندما كتب في سورة البّروج لأنّه كان فيها إشارة إلى مُعاناته التّي وقعت له رحمه الله. أكمل سيد قُطُب التَّفسير في نهاية السّبعينات (1378 - 1379
¥