ويحسن في بادئ هذه الحلقات أن نوضح ما درج عليه المؤلفون في هذا الباب , كما صنع العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره من التقدمة لوصف الجنة ببعض المقدمات , ومن ذلك أن الجنة موجودة مخلوقة الأن , وفي هذا يقول العلامة ابن القيم: {لم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة ًوفقهاء الإسلام على اعتقاد ذلك وإثباته , مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة , وما عُلم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم , فإنهم دعو الأمم إليها وأخبروا بها , إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون مخلوقة الأن , وقالوا: بل الله ينشئها يوم المعاد , وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله , وأنه ينبغي له أن يفعل كذا , ولا ينبغي له أن يفعل كذا , وقاسوه على خلقه في أفعالهم , فهم مشبّهة ٌفي الأفعال ودخل التجهّم فيهم ,فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات , وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث , فإنها تصير معطلة ممددا ً متطاولة ليس فيها سكانها.
فحجّروا على الرب تبارك وتعالى بعقولهم الفاسدة , وآراءهم الباطلة , وشبّهوا أفعاله بأفعالهم , وردّوا من النصوص ما خالفوا هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب , أو حرّفوها عن مواضعها , وظننّوا وبدّعوا من خالفهم فيها , والتزموا فيها لوازم , واضحكوا عليهم فيها العقلاء ..
ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان , ويذكر من صنّف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة ًلا يختلفون فيها .. }.
ثم قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا السياق مقررا ً وجود الجنة وخلقها , والمقصود حكايته عن جميع أهل السنة والحديث أن الجنة والنار مخلوقتان , وقد دل على ذلك من القرءان قول الله تعالى ((ولقد رآه نزلة ً أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى)) , وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ورأى عندها الجنة كما في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه في قصة الإسراء وفي آخره: { ... ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى , فغشيها ألوان لا أدري ما هي. قال: ثم دخلت الجنة , فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ , وإذا ترابها المسك} جنابذ اللؤلؤ ما يشبه القباب , لان بيوت الجنة على هيئة البيوت المقببة وكلها من اللؤلؤ ..
وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنّ أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة , وإن كان من أهل النار فمن أهل النار .. فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة.}.
وثبت في المسند والمستدرك للحاكم وصححه ابن حبّان من حديث البراء ابن عازب قال: {خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ... فذكر الحديث بطوله وفيه: فينادي مناد ٍمن السماء أن صدق عبدي ,فأ فرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة ,وافتحوا له بابا ًإلى الجنة ,قال: فيأتيه من روحها وطيبها ... وذكر الحديث}.
وثبت في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع في القبر , وتولّى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم , قال: فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. قال: فيقولان له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا ًمن الجنة. قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعا}.
وجاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: {خُسِفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكرت الحديث إلى أن قالت: ثم قام فخطب الناس , فأثنى على الله بما هو أهله , ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته , فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت في مقامي هذا كل شيء وعِدته , حتى لقد رأيتني آخذ قطفا ًمن الجنة حين رأيتموني أُقدّم , ولقد رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضا ًحينما رأيتموني تأخّرت .. }.
وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر في هذه القصة , قال عليه الصلاة والسلام: {عُرض عليا كل شيء تولجونه , فعرضت عليا الجنة حتى تناولت منها قطفا , فقصرت يدي عنه , وعُرضت عليا النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذّب في هرّة لها .... وذكر الحديث}.
وجاء أيضا ًفي الموطّئ والسنن من حديث كعب ابن مالك رضي الله عنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نسمة المؤمن طيرٌ تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة} وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ..
كامل الدرس في المرفقات**
ـ[سعاد عبداللطيف]ــــــــ[25 Sep 2010, 10:53 م]ـ
للإستماع للحلقة الأولي:
http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79596
¥