استعمل الفعل المضارع فعلاً للشرط فقال (إن يردن) واستعمل الماضي في مكان آخر (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره (38) الزمر) وعند النحاة إن الماضي في الشرط يفيد الاستقبال. جاء في التفسير الكبير "قال ههنا (إن يردن الرحمن بضر) وقال في الزمر (إن أرادني الله) فما الحكمة في اختيار صيغة الماضي هنالك واختيار صيغة المضارع ههنا؟ وذكر المريد بإسم الرحمن هنا وذكر المريد بإسم الله هناك؟ نقول أما الماضي والمستقبل فإن (إنْ) في الشرط تصير الماضي مستقبلاً وذلك لأن المذكور ههنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله (أأتخذ) وقوله (ومالي لا أعبد) والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله (أفرأيتم) وكذلك في قوله تعالى (وإن يمسسك الله بضر) لكون المتقدم عليه مذكوراً بصيغة المستقبل وهو قوله (من يُصرف عنه) وقوله (إني أخاف إن عصيت) والحكمة فيه هو أن الكفار كانوا يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم بضر يصيبه من آلهتهم فكأنه قال: صدر منكم التخويف وهذا ما سبق منكم. وههنا ابتدأ كلام صدر من المؤمن للتقرير والجواب ما كان يمكن صدوره منهم فافترق الأمران".
والذي يترجح عندنا أن الفعل المضارع مع الشرط كثيراً ما يفيد افتراض تكرر الحدث بخلاف الفعل الماضي فإنه كثيراً ما يفيد افتراض وقوع الحدث مرة كما قال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها (93) النساء) وقال (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (92) النساء) فجاء مع القتل المتعمد بالفعل المضارع لأنه يفترض فيه تكرر الحدث إذ كلما سنحت للقاتل فرصة قتل مؤمناً بخلاف قتل الخطأ فإنه لا يفترض تكرره.
ونحو ذلك قوله تعالى (قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً (17) المائدة) فجاء بفعل الإرادة ماضياً (إن أراد) لأن هذه الإرادة تكون مرة واحدة ولا تتكرر فإنه إذا أهلكه فقد انتهى الأمر.
ونحوه قوله تعالى (فإن أراداً فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما (233) البقرة) فإن هذا لا يتكرر فإذا انفصلا فقد انتهى الأمر.
ونحوه قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها (16) الإسراء) ونحوه قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها (50) الأحزاب) هذه الإرادة لا تتكرر وإنما تكون مرة واحدة في حين قال (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نوته منها (145) آل عمران) فجاء بفعل الإرادة مضارعاً لأن إرادة الثواب تتكرر ومثله قوله تعالى (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله (62) الأنفال) فإن إرادة الخديعة تتكرر. ومثله قوله تعالى (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم (71) الأنفال) فإن إرادة الكفار خيانة الرسول قد تتكرر فجاء بالفعل مضارعاً. فنقول إن استعمال الفعل المضارع في سورة يس في قوله تعالى (إن يردن الرحمن بضر) إشارة إلى أنه كان يتوقع تكرر وقوع الضرر عليه من قومه وأنهم لا يكفون عن إلحاقه به ما دام بينهم.
وقد تقول لم قال ههنا (إن يردن الرحمن بضر) فأسند الإرادة إلى الرحمن وقال في الزمر (إن أرادني الله بضر) فأسند الإرادة إلى الله؟ فنقول إن القائل في سورة يس يتوقع وقوع الضرر عليه وتطاوله كما ذكرنا فذكر إسم الرحمن كأنه يلوذ به ويعتصم وهو بمثابة سؤاله الرحمة بخلاف ما في الزمر فإنه ليس الأمر كذلك ولا يتوقع نحو هذا. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه حسن ذكر إسم الرحمن مع الشفاعة في سورة يس فقال (إن يردن الرحمن بضر فى تغن عني شفاعتهم شيئاً) لأن الشفيع إنما يستدر رحمة من يشفع عنده والمتصف بالرحمة قد يقبل شفاعة من ليس له جاه كبير عنده أما هؤلاء الآلهة فلا تنفع شفاعتهم حتى مع الرحمن إذ ليس لهم جاه البتة وهذا أبلغ في إسقاط وجاهة هؤلاء. ثم من ناحية ثالثة أنه ورد إسم الرحمن في سورة يس أربع مرات ولم يرد في سورة الزمر ولا مرة واحدة وورد إسم الله في سورة الزمر تسعاً وخمسين مرة وورد في سورة يس ثلاث مرات فقط فناسب ذكر إسم الله في الزمر والرحمن في يس.
¥