ولا شك أن كل عاقل سيجيب قائلاً: لا، إنه لا يصح أن تتخذ إلهاً من دونه. وهذا لا شك أقوى من الكلام التقريري الخبري الذي يقول: أنا لا أتخذ من دونه آلهة وذلك لأنه قرار انفرادي رآه هو في حين أن قوله (أأتخذ من دونه آلهة) يستدعي إشتراك الآخرين في الجواب واتخاذ القرار.

جاء في التفسير الكبير: "ثم قال تعالى (أأتخذ من دونه أولياء) ليتم التوحيد ... فقال (ومالي لا أعبد) إشارة إلى وجود الإله وقال (أأتخذ من دونهإشارة إلى نفي غيره فيتحقق معنى لا إله إلا الله. وفي الآية أيضاً لطائف:

الأولى ذكره على طريق الاستفهام فيه معنى وضوح الأمر وذلك أن من أخبر عن شيء فقال مثلاً (لا أتخذ) يصح من السامع أن يقول له: لم لا تتخذ؟ فيسأله عن السبب فإذا قال (أأتخذ) يكون كلامه أنه مستغنٍ عن بيان السبب الذي يطالب به عند الإخبار كأنه يقول: استشرتك فدُلّني والمستشار يتفكر فكأنه يقول: تفكر في الأمر تفهم من غير إخبار مني.

الثانية قوله (من دونه) وهي لطيفة عجيبة وبيانها هو أنه لما بيّن أنه يعبد الله بقوله (الذي فطرني) بيّن أن من دونه لا تجوز عبادته ..

الثالثة قوله (أأتخذ) إشارة إلى أن غيره ليس بإله لأن المتخذ لا يكون إله (كذا) ولهذا قال تعالى (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) وقال (الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً) لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة ولا يجوز ... ولا يقال قال الله تعالى (فاتخذه وكيلا) في حق الله تعالى حيث قال (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) نقول ذلك أمر متجدد".

ونريد أن نذكر أمراً بخصوص قوله تعالى (فاتخذه وكيلا) فإن الذي يبدو من الاستعمال في اللغة أنه إذا كان الشيء موجوداً أصلاً من غير انفكاك ولا اختيار فلا يقال (اتخذته) فلا يقال مثلاً اتخذت فلاناً أباً إذا كان أباه حقيقة ولا يقال اتخذته أخاً إذا كان أخاه حقيقة وإنما يقال ذلك لما يصح فيه التخلي والترك والاختيار كأن تقول اتخذت فلاناً صديقاً لي لأنك مختار في اختيار الأصدقاء وتقول اتخذت أخاً وصاحباً فيما أنت مختار فيه. ولا يصح أن تقول اتخذت فلاناً خالفاً أو اتخذت الكواكب خالقاً ولا اتخذت الله خالقاً لأنه هو الخالق وليس متخذاً لذلك لكنك تقول اتخذته معبوداً لأنك مختار في اتخاذ ما تعبد.

ونحوه قوله (فاتخذه وكيلا) فإن لك أن تختار الوكلاء وأن تتخذ من تشاء فاتخذ الله وكيلاً تفلح.

وقد تقول: إن الله وكيل على كل شيء كما قال تعالى (والله على كل شيء قدير (12) هود) (وهو على كل شيء وكيل (102) الأنعام و (62) الزمر). فنقول هذه وكالة قسرية وكالة الاختيار والطاعة ونظير ذلك في العبودية فإن العبودية لله قد تكون قسرية كما قال تعالى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً (93) مريم) وقوله (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء (17) الفرقان) وهذه العبودية ليست من الطاعة ولا يتعلق بها ثواب. وقد تكون عبودية اختيارية وذلك بأن يختار المرء أن يكون عبداً لله مطيعاً له وهذه هي التي يتعلق بها الثواب كما قال تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون (172) النساء) وقال (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) الإنسان). ونحوه الألوهية والربوبية فالله سبحانه هو إله الخلق كلهم وربهم شاؤوا أم أبوا. قال تعالى (وهو رب كل شيء (164) الأنعام) و (الحمد لله رب العالمين) وقال (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو (163) البقرة) وقال (إنما هو إله واحد (19) الأنعام) وقال (وما من إله إلا الله الواحد القهار (65) ص). وهذه الربوبية والألوهية قسرية شاء الخلق أم أبوا ولا يترتب عليها ثواب وإنما يترتب الثواب والعقاب على من اتخذه إلهاً ورباً أو اتخذ غيره كما قال تعالى (أتتخذ أصناماً آلهة (74) الأنعام) (أرأيت من اتخذ إلهه هواه (43) الفرقان) (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم (31) التوبة). فالاتخاذ أمر اختياري يفعله المتخذ وهو غير الأمر الكائن أصلاً من غير اتخاذ وذلك نحو "هذا ولدي" و "هذا اتخذته ولداً لي" والله أعلم.

(إن يردن الرحمن بضر)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015