السبيل الناجع في الهداية، وإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.

وهناك أمر يتعلق بالمخطوط، وهو كيفية التحقيق، إذ الملاحظ أنَّ المخطوط الذي يخرجه فلان في مجلد صغير؛ يخرجه غيره في مجلدين أو ثلاثة، فهل يلزم التعليق على كل شيء في المخطوط، أم ما هو السبيل؟

إنَّ هذا الموضع مما يحسن إعادة النظر فيه، ووضع ضوابط متفق عليها بين الجامعات، بحيث لا يكون العمل في المخطوط مُرهقًا للطالب من جهة، ولا يكون ناقصًا عند غيره من جهة أخرى. وإن من أهمِّ ما يُركَّز عليه في أمر المخطوط: أن يكون النصُّ المحقق هو نص المؤلف، وإن لم يمكن فيكون قريبًا من نصِّ المؤلف قدر الطاقة. وهذا هو الأصل في التحقيق، وما بعد ذلك تبعٌ له؛ كدراسة منهج المؤلف، والتعليق على مواضع من المخطوط. ويا حبذا لو وُضعت ضوابط تقريبة لدراسة المخطوط ليتقارب عمل الباحثين، خصوصًا إذا كان المخطوط كبيرًا ومُقسَّمًا على عدد من الباحثين، حيث إن الناظر إلى تحقيقاتهم يرى التفاوت البيِّن في منهج التحقيق، وكثيرًا ما يكون على حساب المخطوط وقضاياه العلمية التي طرحها المؤلف فيه. وعلى كل حال فإن أمر المخطوط ومشكلاته أوسع من أن تُطرح في مقالة كهذه، والآراء فيها مختلفة متباينة، والموضوع يحتاج إلى كتابات وتآليف، والله الموفق.

ثانيًا: الدراسات المتعلقة بالمستشرقين والمنصرين.

يُعدُّ البحث في هذا المسار من البحوث قليلاً، ولا زال بحاجة إلى دراسة وتقويم تقوم على نقد ما وقع فيه الخطأ من هؤلاء الذين دخلوا إلى تراث العربية بأفهام وتصورات ومعارف وأهداف مختلفة. وهذه الدراسات بما فيها من غثٍّ وسمين لا زالت بحاجة إلى تصفية وتجلية. وهذه الدراسات لا تخلو من وقفات ناقدة صحيحة لهذا التراث العظيم، لكنها لا تُنقص منه قِيد أنملة. ولقد كانت أخطاء هؤلاء أو قصد بعضهم للتشويه؛ كانت سببًا باعثًا لبعض الدراسات الجادة للرد والتقويم، ولتعزيز كثيرٍ من المفاهيم التي قد تكون نُسِيت أو غُفِل عنها في بحوث المعاصرين. ولا يعني هذا قبول دراسات هؤلاء على علاَّتها كما وقع من بعض العرب المتأثرين بالثقافة الغربية، الذين بهرهم ما وجدوا عندهم ـ وهم خالين من معرفة تراث قومهم ـ فاتبعوهم، وانقادوا لآرائهم، وتنكَّروا لتراثهم، فصاروا أذنابًا لهم يرددون ما يقوله هؤلاء بلا نقد ولا تزييف. ومن حال بعض هؤلاء المستغربين أنه يعرف الحقَّ، لكنه يخشى أن يفقد الجاه الذي ألبسه إياه هؤلاء، فتراه لا يستطيع أن يخرج من بوتقتهم، ولا يردد إلا ما يتفق مع كلمتهم، فهو عضو في مجمع المستشرقين في دولة كذا، وعضو في جامعة كذا من جامعات الغرب، ويدعونه للمؤتمرات، ويولونه أحسن الاهتمامات، فأنَّى له أن ينفكَّ من ربقتهم!

ومن الجوانب المهمة في هذا الموضوع أن يعلم المسلم أنَّ شخصًا قضى قرابة ثلث عمره بعيدًا عن لغة العرب، ثمَّ اعتنى بها بعد ذلك = أنَّى له أن يحيط بجوانب علمهم، وأن يتقن دقائق مسالكهم!

كما أنَّ من الجوانب المهمة ـ وهي مُغفلة في بعض الدراسات عن المستشرقين ـ تفسير نقدهم للقضايا التي يدرسونها، فقد يوجهون نقدهم لآيات، وقد يوجهونها لأحاديث، وقد يوجهونها لأعلام، وقد يوجهونها لأفكار ومناهج. وهذا التفسير لا يعني التبرير، فنحن في نهاية الأمر لا نقبل النقد إذا كان مخالفًا لأصول الإسلام، أو مجانبًا لمنهج البحث العلمي، لكني أرى أن هذا الجانب ـ وهو تفسير العمل ـ مهم جدًّا، إذ يجعل الباحث يطَّلع على طريقة هؤلاء في التفكير، ويستلهم مناهجهم في البحث، ويعرف ثقافتهم، فيردَّ عليهم بطريقتهم هم، ويستخدم سلاحهم في نقض نقضهم، إذ مثل هؤلاء لا ينفع معهم قال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم ليسوا مؤمنين حتى يُحتكم معهم بهذا الاحتكام.

ومن الملاحظ أن هؤلاء يحشرون الباحثين في زوايا يختارونها، ولا يكون من الباحثين إلا الردُّ عليهم، ونقض أقوالهم، وقد يغفل بعضهم عن نقد كتبهم التي يدينون بها، وهي أسفار العهدين الجديد والقديم، فلو وُجِّه إليها منهج النقد الذي يستخدمه هؤلاء لسقطت، مع أن سقوطها كائن بأدنى من ذلك.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015