أما الجمع فى خلافة عثمان رضى الله عنه فكان نسخًا ونقلاً لما فى الوثائق الخطية، التى حررت فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام وأقرها بعد تلاوتها عليه، وجمعها فى مصحف واحد فى مكان واحد. وإذا شبهنا الوثائق الأولى بقصاصات ورقية مسطر عليها كلام، كان الجمع فى خلافة عثمان هو نسخ ذلك الكلام المفرق فى القصاصات فى دفتر واحد.

أما الهدف من الجمع فى خلافة عثمان فكان من أجل الأمور الآتية:

1 - توحيد المصحف الجماعى واستبعاد مصاحف الأفراد لأنها لم تسلم من الخلل. وقد تم ذلك على خير وجه.

2 - القضاء على القراءات غير الصحيحة، وجمع الناس على القراءات الصحيحة، التى قرأ بها النبى عليه الصلاة والسلام فى العرضة الأخيرة على جبريل فى العام الذى توفى فيه.

3 - حماية الأمة من التفرق حول كتاب ربها. والقضاء على التعصب لقراءة بعض القراء على قراءة قراء آخرين.

وفى جميع الأزمنة فإن القرآن يؤخذ سماعًا من حُفَّاظ مجودين متقنين، ولا يؤخذ عن طريق القراءة من المصحف؛ لإن الحفظ من المصحف عرضة لكثير من الأخطاء، فالسماع هو الأصل فى تلقى القرآن وحفظه. لأن اللسان يحكى ما تسمعه الأذن، لذلك نزل القرآن ملفوظًا ليسمع ولم ينزل مطبوعًا ليُقرأ.

فالفرق بين الجمعين حاصل من وجهين:

الوجه الأول: جمع أبى بكر رضى الله عنه كان تنسيقًا للوثائق الخطية التى حررت فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام على صورتها الأولى حسب ترتيب النزول سورًا وآيات.

وجمع عثمان رضى الله عنه كان نقلاً جديدًا لما هو مسطور فى الوثائق الخطية فى كتاب جديد، أطلق عليه " المصحف الإمام ".

أما الوجه الثانى فهو من حيث الهدف من الجمع وهو فى جمع أبى بكر كان حفظ الوثائق النبوية المفرقة فى نسق واحد مضمومًا بعضها إلى بعض، منسقة فيه السور والآيات كما هى فى الوثائق، لتكون مرجعًا حافظًا لآيات الذكر الحكيم.

وهو فى جمع عثمان، جمع الأمة على القراءات الصحيحة التى قرأها النبى صلى الله عليه وسلم فى العرضة الأخيرة على جبريل عليه السلام.

أما المتون (النصوص) التى نزل بها الوحى الأمين فظلت على صورتها الأولى، التى حررت بها فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام.

فالجمعان البكرى والعثمانى لم يُدْخِِِِِلا على رسم الآيات ولا نطقها أى تعديل أو تغيير أو تبديل، وفى كل الأماكن والعصور واكب حفظ القرآن تدوينه فى المصاحف، وبقى السماع هو الوسيلة الوحيدة لحفظ القرآن على مدى العصورحتى الآن وإلى يوم الدين.

فذلكة سريعة:

العرض الذى قدمناه لتدوين القرآن يظهر من خلاله الحقائق الآتية:

1 - إن تدوين متون القرآن (نصوصه) تم منذ فجر أول سورة نزلت بل أول آية من القرآن، وكان كلما نزل نجم من القرآن أملاه عليه الصلاة والسلام على كاتب الوحى فدونه سماعًا منه لتوه، ولم يلق عليه الصلاة والسلام ربه إلا والقرآن كله مدون فى الرقاع وما أشبهها من وسائل التسجيل. وهذا هو الجمع الأول للقرآن وإن لم يذكر فى كتب المصنفين إلا نادرًا.

2 - إن هذا التدوين أو الجمع المبكر للقرآن كان وما يزال هو الأصل الثابت الذى قامت على أساسه كل المصاحف فيما بعد، حتى عصرنا الحالى.

- إن الفترة النبوية التى سبقت جمع القرآن فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه، لم تكن فترة إهمال للقرآن، كما يزعم بعض خصوم القرآن من المبشرين والمستشرقين والملحدين بل العكس هو الصحيح، كانت فترة عناية شديدة بالقرآن. اعتمدوا فيها على ركيزتين بالغتى الأهمية:

الأولى: السماع من الحفظة المتقنين لحفظ القرآن وتلاوته.

الثانية: الحفظ المتقن فى الصدور.

والسماع والحفظ هما أقدم الوسائل لحفظ وتلاوة كتاب الله العزيز. وسيظلان هكذا إلى يوم الدين.

- إن القرآن منذ أول آية نزلت منه، حتى اكتمل وحيه لم تمر عليه لحظة وهو غائب عن المسلمين، أو المسلمون غائبون عنه، بل كان ملازمًا لهم ملازمة الروح للجسد.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015