إن الحفظ كان العلاقة الأولى بين المسلمين وبين كتاب ربهم وكان الحفظ له وسيلة واحدة ضرورية يعتمد عليها، هى السماع. وهكذا وصل إلينا القرآن، من بداية نزوله إلى نهايته.
وأول سماع فى حفظ القرآن كان من جبريل عليه السلام الذى وصفه الله بالأمين.
وأول سامع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع القرآن كله مرات من جبريل.
وثانى مُسَمِّع كان هو عليه الصلاة والسلام بعد سماعه القرآن من جبريل.
أما ثانى سامع للقرآن فهم كُتَّابُ الوحى، سمعوه من النبى عليه الصلاة والسلام فور سماعه القرآن من جبريل؛ لأنه كان إذا نزل الوحى، وفرغ من تلقى ما أنزله الله إليه دعا كُتَّابَ الوحى فأملى على مسامعهم ما نزل فيقومون بكتابته على الفور.
ثم يشيع عن طريق السماع لا الكتابة ما نزل من القرآن بين المؤمنين، إما من فم الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من أفواه كتاب الوحى.
وقد يسَّر الله تعالى لحفظ القرآن واستمرار حفظه كما أنزله لله، أوثق الطرق وأعلاها قدرًا فكان صلى الله عليه وسلم يقرؤه على جبريل فى كل عام مرة فى شهر رمضان المعظم. ثم فى العام الذى لقى فيه ربه تَمَّ عرض القرآن تلاوة على جبريل مرتين. زيادة فى التثبت والتوثيق.
وفى هذه الفترة (فترة حياة النبى) لم يكن للقراء مرجع سوى المحفوظ فى صدر النبى عليه الصلاة والسلام، وهو الأصل الذى يُرجع إليه عند التنازع، أما ما كان مكتوبًا فى الرقاع والورق فلم يكن مما يرجع إليه الناس، مع صحته وصوابه.
وكذلك فى عهدى الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما كان الاعتماد على الحفظ فى الصدور هو المعول عليه دون الكتابة؛ لأنها كانت مفرقة، ولم تكن مجموعة.
وكانت حظوظ الصحابة، من حفظ القرآن متفاوتة، فكان منهم من يحفظ القدر اليسير، ومنهم من يحفظ القدر الكثير، ومنهم من يحفظ القرآن كله. وهم جمع كثيرون مات منهم فى موقعة اليمامة فى خلافة أبى بكر سبعون حافظًا للقرآن، وكانوا يسمون حفظة القرآن ب " القُرَّاء ".
ولا يقدح فى ذلك أن بعض الروايات تذهب إلى أن الذين حفظوا القرآن كله من الصحابة كانوا أربعة أو سبعة، وقد وردت بعض هذه الروايات فى صحيحى البخارى ومسلم لأن ما ورد فيهما له توجيه خاص، هو أنهم حفظوا القرآن كله وعرضوا حفظهم على رسول الله تلاوة عليه فأقرهم على حفظهم، وليس معناه أنهم هم الوحيدون الذين حفظوا القرآن من الصحابة.
أول جمع للقرآن الكريم
لم يجمع القرآن فى مصحف فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم، ولا فى صدر خلافة أبى بكر رضى الله عنه، وكان حفظه كما أنزل الله فى الصدور هو المتبع.
وفى هذه الأثناء كان القرآن مكتوبًا فى رقاع متفرقًا. هذه الرقاع وغيرها التى كتب فيها القرآن إملاء من فم النبى صلى الله عليه وسلم، ظلت كما هى لم يطرأ عليها أى تغيير من أى نوع.
ولما قتل سبعون رجلاً من حُفَّاظِه دعت الحاجة إلى جمع ما كتب مفرقًا فى مصحف واحد فى منتصف خلافة أبى بكر باقتراح من عمر رضى الله عنهما.
وبعد وفاة أبى بكر تسلم المصحف عمر بن الخطاب، وبعد وفاته ظل المصحف فى حوزة ابنته أم المؤمنين حفصة رضى الله عنها.
وفى هذه الفترة كان حفظ القرآن فى الصدور هو المتبع كذلك.
وانضم إلى حُفَّاظه من الصحابة بعد انتقال النبى عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، التابعون من الطبقة الأولى، وكانت علاقتهم بكتاب الله هى الحفظ بتفاوت حظوظهم فيه قلة وكثرة، وحفظًا للقرآن كله، وممن اشتهر منهم بحفظ القرآن كله التابعى الكبير الحسن البصرى رضى الله عنه وآخرون.
كان هذا أول جمع للقرآن، والذى تم فيه هو جمع الوثائق التى كتبها كتبة الوحى فى حضرة رسول الله، بمعنى تنسيق وثائق كل سورة مرتبة آياتها على نسق نزولها، ولا معنى لهذا الجمع إلا ما ذكرناه، وإطلاق وصف المصحف عليه إطلاق مجازى صرف. والقصد منه أن يكون مرجعًا موثوقًا به عند اختلاف الحفاظ.
ومما يجب التنبيه إليه مرات أن الجمع فى هذه المرحلة لم يضف شيئًا أو يحذفه من تلك الوثائق الخطية، التى تم تدوينها فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام إملاءً منه على كتبة وحيه الأمناء الصادقين.
مرحلة الجمع الثانية
¥