وأرباعه، وأثلاثه، وأخماسه، وأسداسه، وأسباعه، وأثمانه، وأتساعه، وأنصاف ذلك كله، وغير ذلك بدقة متناهية كما هو معروف في محله. (19)

فكيف خفي عليهم هذا العلم جملة وتفصيلا وعرفه من بعدهم؟

هذا لا يكون أبداً، وما يذكره بعضهم من أمثلة على هذا الإعجاز المزعوم كثير منه لا يصح فيه العد أصلاً – كما في موضوعنا هذا كما سيأتي – وما كان العَدُّ فيه صحيحاً فإن ما يُذكر معه إنما هو من باب الموافقة والمصادفة، ولا يَعْجَزُ الإنسان إذا أحصى أموراً كثيرة مما ورد في القرآن – مثلاً – كعدد المرات التي ذُكرت فيها الجنة، والنار، والبر، والأبرار، والخير، والشر، والنعيم، والجزاء، والعذاب، والمحبة، والبغض، والكفار، وأصحاب الجنة، وأصحاب النار، والمؤمنون، والكفار، والمنافقون، والكفر، والإيمان، والنفاق ... إلخ.

فإذا أحصيت ذلك كله ستجد أشياء منه تستطيع أن تلفق منها بعض الفِرَى، فقد تتساوى بعض الأعداد، أو يكون بعضها على النصف بالنسبة لغيره، وهكذا مما لا يعجز معه أهل التلبيس من إيجاد وجوه للربط بينها يطرب لها بعض السذج والمغفلين.

وليس المقصود هنا التفصيل فيما يُسمى بـ (الإعجاز العددي) وإنما المقصود الإشارة إلى بطلان هذا الأمر الذي تدور حوله تلك الورقة المشار إليها. (20)

الثاني: زعم هذا الكاتب أن رقم السورة - وهو تسعة – موافق للشهر الذي وقع فيه الحدث، وهو الشهر التاسع.

والجواب عن هذا لا يخفى إذ إن ترتيب السور في المصحف لم يكن عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان عن اجتهاد صدر عن الصحابة رضي الله عنهم في زمن عثمان رضي الله عنه حينما جمع الناس على مصحف واحد (21). وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز أن يُرتب على هذا الترتيب للسور استنباطات في المعاني ولا غيرها، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم قبل جمع عثمان رضي الله عنه للمصاحف كانوا يتفاوتون في ترتيب مصاحفهم، فبعضهم كان يرتب السور حسب النزول، وبعضهم على غير ذلك، وبهذا تعرف قيمة ما بناه ذلك الكاتب على هذا الرقم (9).

الثالث: زعم كاتب الورقة أن سورة براءة تقع في الجزء الحادي عشر من أجزاء القرآن الكريم، وأن هذا يوافق اليوم الذي وقع فيه الحدث، وهو اليوم الحادي عشر.

والجواب عن هذا يتبين مما قبله، إذ لو لم تُرتب السور في المصحف على هذا الترتيب الذي أجمع عليه أصحاب النبي صلى الله عليه زمن عثمان رضي الله عنه لما وقعت السورة في الجزء المشار إليه.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى نقول: إن تجزئة القرآن على ثلاثين جزءاً لم تكن معروفة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة، لا في زمن عثمان رضي الله عنه ولا قبله ولا بعده، وإنما وقع ذلك بعدهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحزبون القرآن بطريقة أُخرى حسب السور على النحو التالي:

1 – السبع الطوال. 2 – المئين. 3 – المثاني. 4 – المفصل.

ولا شك أن هذا الترتيب الذي كانوا عليه أدق وأفضل، إذ إن ترتيب القرآن على الأجزاء يفضي إلى انتهاء الجزء قبل تمام المعنى، حيث يفصل بين أجزاء الموضوع الواحد.

أما طريقة الصحابة رضي الله عنهم فهي – كما سبق – على السور، وبناء على ذلك تكون المعاني تامة. وإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يتمسك برقم الجزء الذي وقعت فيه السورة ليربط بينه وبين أمر آخر ليخرج لنا بمعنى كهذا.

الرابع: في البداية كانت الآية التي تعلق بها الكاتب هي الآية رقم (110) من سورة التوبة، وهي قوله تعالى: " لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " وإنما تعلق بهذه الآية لتوافق عدد الأدوار في الأبراج حيث تبلغ هذا العدد، ولكن مضمون الآية لا يساعده، وإنما المناسب أن تكون الآية التي قبلها وهي (109) وذلك قوله تعالى: " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ... " ثم رأيت في الأوراق المنشورة مؤخراً الإحالة إلى هذه الآية (109) لكن هذه يتطلب كذبة إضافية لحبك الدعوى، ولم يتطلب هذا من الكاتب كبير جهد حيث زعم أن عدد الأدوار (109)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015