نقد ما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن (للدكتور مساعد الطيار)

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[06 Jun 2003, 03:08 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال السائل: ما رأيكم بما يسمى الآن بالإعجاز العلمي للقرآن , وهل يدخل تحت علوم القرآن؟

الجواب: للدكتور مساعد بن سليمان الطيار.

إن هذه المسألة تعتبر من المسائل العلمية التي حدثت في هذا العصر، والموضوع أكبر من أن يجاب عنه في مثل هذا الموضع، لكن أستعين بالله، وأذكر من ما يفتح الله به عليَّ.

1 ـ إنَّ هذا الموضوع يدخل تحت التفسير بالرأي، فإن كان المفسر به ممن تأهل وعَلِمَ، كان تفسيره محمودًا، وإن لم يكن من أهل العلم فإن تفسيره مذموم، وإن كان قد يصل إلى بعض الحقِّ.

2 ـ إنَّ الإعجاز العلمي يدخل في ما يسمى بالإعجاز الغيبيي، وهو فرع منه، إذ مآله الإخبار بما غاب عن الناس فترة من الزمن، ثمَّ علمه المعاصرون.

وإذا تحقَّق ذلك، فليعلم أنَّ هذا النوع من الإعجاز ليس مما يختص به القرآن وحده، بل هو موجود في كل كتب الله السابقة؛ لأنَّ الإخبار في هذه الكتب عن الحقائق الكونية لا يمكن أن يختلف البتة.

وعدم وجود ما يطابق علم القرآن في كتبهم التي بين يديهم إنما هو لتحريفهم لها، فلينتبه لذلك.

ومن باب إيضاح هذه المسألة بالذات؛ يقال: إنَّ كتب الله السابقة توافق القرآن في جميع ما يتعلق بوجوه الإعجاز المذكورة عدا ما وقع به التحدِّي، إذ لم يرد نصُّ صريح يدل على أنه قد تُحدِّي الأقوام الذين نزل عليهم كتب، كما هو الحال بالنسبة للقرآن.

3 ـ إن قصارى الأمر في مسألة الإعجاز العلمي أنَّ الحقيقة الكونية التي خلقها الله، وافقت الحقيقة القرآنية التي تكلم بها الله، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المتكلم عن الحقيقة الكونية المخبر بها هو خالقها، فلا يمكن أن يختلفا البتة.

وكل ما في الأمر أنَّ هذه الحقيقة الكونية كانت غائبة من جهة تفاصيلها عن السابقين، فمنَّ الله على اللاحقين بمعرفة هذه التفاصيل، فكشفوا عنها، وأثبتوا حقيقة ما جاء في القرآن من صدق، فكان اكتشاف ذلك من دلائل صدق القرآن الذي أخبر عنها بدقة بالغة، لم تظهر تفاصيلها إلا في هذا العصر الذي نبغ فيه سوق البحث التجريبي الذي صارت دولته إلى الكفار دون المسلمين، فصاروا إذا ما اكتشفوا أمرًا جديدًا عليهم سارع المعتنون بالإعجاز العلمي لإثبات وجوده في نصوص القرآن.

4 ـ إن كثيرًا ممن كتب في الإعجاز العلمي ليس ممن له قدم في العلم الشرعي فضلاً عن علم التفسير، وكان من أخطار ذلك أن جُعلت الأبحاث في العلوم التجريبية أصلاً يُحكم به القرآن، وتأوَّل آياته لتتناسب مع هذه النظريات والفرضيات.

وكل من دخل إلى التفسير وله أصل، فإن أصله هذا سيؤثر عليه، وسيقع في التحريف، كما وقع التحريف عند المعتزلة الذين جعلوا العقل المجرد أصلاً يحتكمون إليه، وكما وقع لغيرهم من الطوائف المنحرفة.

والذي يدل على وقوع الانحراف في هذا الاتجاه الحرص الزائد على إثبات حديث القرآن عن كثير من القضايا التي ناقشها الباحثون التجريبيون.

5 ـ إن كتاب الله أعلى وأجل من أن يجعل عرضة لهذه العقول التي لم تتأصل في علم التفسير، فأين هم من قول مسروق: (اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله).

6 ـ إنَّ في نسب الإعجاز، أو التفسير إلى (العلمي) فيها خلل كبير، وأثر من آثار التغريب الفكري، فهذه التسمية منطلقة من تقسيم العلوم إلى أدبية وعلمية، كما هو الحال في المدارس الثانوية سابقًا، وفي الجامعات حتى اليوم، وفي ذلك رفع من شأن العلوم التجريبية على غيرها من العلوم النظرية التي تدخل فيها علوم الشريعة.

وإذا كان هذا يسمى بالإعجاز العلمي، فما ذا يسمى الإعجاز اللغوي، أليس إعجازًا علميًا، أليست اللغة علمًا، وقل غيرها في وجوه الإعجاز المحكية.

لا شكَّ أنها علوم، لكنها غير العلم الذي يريده الدنيويون الغربيون الذين أثروا في حياة الناس اليوم، وصارت السيادة لهم. ومما يؤسف عليه أن يتبعهم فضلاء من المسلمين في هذا المصطلح دون التنبه لما تحته من الخطر والخطأ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015