محسنا ظني بأخواني، داعيا ربي أن لا أوذيهم بقلمي أو بلساني،
لأن الحق الذي تعتقده ينبغي أن تصدع به،
إقامة للحجة، وبيانا للمحجة والله الهادي،
فضيلة الشيخ أبا مجاهد، (رفع الله ذكرك، وشرح صدرك)
قرأت تعقيبكم، فشكر الله لكم حسن ظنكم وتنويهكم،
ولي مداخلة تتلخص في نقاط:
1 - أنني لم أقل إن الذات هي الصفة ولا غير الصفة، فهذا مبحث يحتاج إلى تفصيل، وإنما قلت القول في الصفات فرع عن القول في الذات، ومحل الكلام التنزيه عن النقص أي أنه كما ينبغي تنزيه الذات عن النقص ينبغي تنزيه الصفات، وهذا محل اضطراد عندكم بلا ريب
2 - قولكم (أقام الله بكم منائر الحق)
، فمن المعلوم أن الصفة غير الذات، ولا تعطى جميع أحكام الذات.
قلت ليس هذا بمعلوم وإنما المعلوم ماذكره
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى من التفصيل:
بغية المرتاد ج: 1 ص: 426
فإن للناس في لفظ الغير إصطلاحين مشهورين أحدهما اصطلاح المعتزلة والكرامية ونحوهم ممن يقول الصفة غير الموصوف وهؤلاء فيهم من ينفي الصفات كالمعتزلة ومنهم من يثبتها كالكرامية وهم يقولون إن الغيرين هما الشيئان أو هما ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر والثاني اصطلاح أكثر الصفاتية من الأشعرية وغيرهم إن الغيرين ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بوجود زمان أو مكان ومن هؤلاء من يقول ما جاز مفارقة أحدهما الآخر ولهذا يقولون إن الصفات لا هي الموصوف ولا هي غيره وكذلك جزء الجملة كالواحد من العشرة واليد من الإنسان قد يقولون فيها ذلك والأولون يقولون الصفة غير الموصوف وأما حذاق الصفاتية من الكلابية وغيرهم فهم على منهاج الأئمة كما ذكر الإمام أحمد في الرد على الجهمية لما سألوه عن القرآن أهو الله أم غير الله لا يقولون الصفة لا هي الموصوف ولا هي غيره بل لا يقولون الصفة هي الموصوف ولا يقولون هي غيره فيمتنعون عن الإطلاقين ولا ينفون الإطلاقين وهذا سديد فإن لفظ الغير لما كان فيه إجمال لم يطلق نفيه حتى يتبين المراد فإن أريد بأنه غير مباين له فليس هو غيره وإن أريد أنه ليس هو إياه أو أنه يمكن العلم به دونه فنعم هو غيره وإذا فصل المقال زال الأشكال
3 - قولكم (فقهكم الله في الدين وعلمكم التفسير والتأويل)
ورحمة الله التي هي صفة من صفاته تتجزأ، فهي مائة جزء، وذات الله لا تتجزأ، وهكذا
وهذا مخالف لما قرره ابن تيمية رحمه الله في مواضع وابن القيم قال في (بدائع الفوائد ج: 2 ص: 409)
اعلم أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان أحدهما مضاف إليه إضافة مفعول إلى فاعله والثاني مضاف إليه إضافة صفة إلى الموصوف بها فمن الأول قوله في الحديث الصحيح احتجت الجنة والنار فذكر الحديث وفيه فقال للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء رواه مسلم وأحمد فهذه رحمة
مخلوقة مضافة إليه إضافة المخلوق بالرحمة إلى الخالق تعالى وسماها رحمة لأنها خلقت بالرحمة وللرحمة وخص بها أهل الرحمة وإنما يدخلها الرحماء ومنه قوله خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض رواه مسلم والحاكم وروى البخاري نحوه ومنه قوله تعالى ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة هود 9 ومنه تسميته تعالى للمطر رحمة بقوله وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته الأعراف 57
وقبله قرره هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع كثيرة من الفتاوى ودرء التعارض والمنهاج وغيرها،
3 - قولكم: فكلام الله تعالى صفة من صفاته، وأنت تسمع كلامه، ولا تسمع ذاته
قلت: لم أقل (رفع الله درجتكم) إن الكلام هو الذات ولا هو غيره ولم يكن الكلام قريبا من هذا فضلا عن أن يكون عينه، وإنما يفهم من مما قلت: أنه كما لا يجوز تجويز النقص في الذات فكذا في الصفات،
وقولكم وأنت تسمع كلامه ولا تسمع ذاته
إطلاق عجيب!!!،
فإن الكلام: لفظ وملفوظ
واللفظ (الذي هو الصوت لأن بعض السلف بدعوا قول من قال لفظي بالقرآن مخلوق لكن في كلام العلماء ذكر ذلك مع التفصيل) صوت القارئ
والملفوظ كلام الله فأنا أسمع كلام الله (ذاته) سبحانه وتعالى،
فأي فرق عندكم بين تسمع كلامه ولا تسمع ذاته،
وهذا عبارات السلف لا تحصى كثرة،
بدائع الفوائد ج: 3 ص: 613
ن أبي موسى قال قلت لعمران لي كاتب نصراني فقال ما لك قاتلك الله ما سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وذكر الحديث
زاد المعاد ج: 1 ص: 340
وقال عبدالله أيضا إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه
مجموع الفتاوى ج: 25 ص: 280
وكذلك روى حديث عمرو بن العاص لما اصابته الجنابة فى غزوة ذات السلاسل وكانت ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه بالتيمم ولما رجعوا ذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو اصليت بأصحابك وانت جنب فقال يا رسول الله انى سمعت الله يقول ولا تقتلوا انفسكم فضحك
وقولك بارك الله فيك
وأنت تقول هذه آية قصيرة، ولا يمكن أن تصف الله بهذا الوصف.
قلت وصف آية من كلام الله بالقصيرة ليس صفة نقص
بل صفة مدح معلوم عند الناس أن قصر الكلام وكثرة المعنى من البيان وهو صفة كمال،
فكيف تقاس صفة الكمال على صفة النقص
نعم إن كان مرادك معاني الصفات،
فنعم فمعنى الرحمة، ليس هو معنى القوة والجبروت، فلكل منهما معنى، وليس هذا محل النزاع البتة،
شيخنا الكريم
دفعني للرد حسن الظن بكم، ورغبة في مطارحة الرأي معكم، ولكم في القلب مع الشيخ عبدالرحمن المودة والإكرام، والمحبة والاحترام،
فإن رأيتم ذنبا من الذنوب، فأهريقوا عليها من التسامح الذنوب،
اللهم صلى على محمد
¥