حرف الضاد في اللغة العربية حرف دار حوله جدل طويل، ولا تكاد تجد في كتب التجويد ولا في كتب الصوتيات العربية أكثر إثارة للجدل من حرف الضاد، ومن أجل ذلك سميت اللغة العربية بلغة الضاد!! ولا تكاد تجد بين علماء التجويد خلافاً في غيره. وقد ترددتُ على كثير من المقرئين ولم نكن نتوقف عند أي حرف أكثر من توقفنا عند حرف الضاد.

ومنذ التقيت بالشيخ الكريم عبيد الله الأفغاني في أبها عام 1409هـ مع أحد تلاميذه سمعت لأول مرة نقاشاً حول حرف الضاد في منزل الشيخ عبيدالله، وأذكر أنه قام إلى مكتبته فتناول جزءاً من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية لكي يحتج بكلامه في حرف الضاد، وكذلك إلى تفسير الألوسي. ثم مرت الأيام بعد ذلك، وسمعت الكثير وقرأت الكثير حول مشكلة حرف الضاد هذه وآخرها في ملتقى أهل التفسير.

وهذه القضية قد أخذت أبعاداً كثيرة في وسط القراء على وجه الخصوص، فكل يذهب إلى سداد رأيه وخطأ رأي مخالفه، مع احتجاج كلٍّ بتلقيه ذلك بالإسناد، فكلُّ فريق يكتب تأييداً لرأيه، وتسفيهاً لرأي مخالفه، وهذا في كتب المتأخرين على وجه الخصوص. وقد كُتب العديد من الكتب في هذا الموضوع يتبنى رأياً واحداً هو القول بأن النطق الصحيح للضاد هو كما يقرأه القراء المصريون الآن كالشيخ الحصري، ومحمد رفعت رحمهم الله جميعاً، وكما يقرأ أئمة الحرمين في هذا الزمن، وتفند هذه المؤلفات الرأي الآخر في نطق الضاد، بل وتسفهه تسفيهاً شديداً وتلمز القائلين به بأعيانهم والله المستعان.

ومن تلك المؤلفات كتاب:

- إعلام السادة النجباء أنه لا تشابه بين الضاد والظاء دراسة تجويدية، لغوية، تاريخية، أصولية. للدكتور أشرف محمد فؤاد طلعت.

- الظائيون الجدد، ردود على شبهات لخالد بن مأمون آل محسوبي.

وقد قرأت هاتين الرسالتين مراراً.

وإلى عهد قريب كانت المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في تتبع حرف صوت الضاد لا تزال مخطوطة، ثم حقق عدد كبير من كتب التجويد المتقدمة على يد الدكتور البصير غانم قدوري الحمد الذي أشرت إلى شيء من جهوده في مشاركة سابقة في هذا الملتقى. فانكشفت للباحثين الكثير من النصوص التي توضح رحلة صوت الضاد الحقيقية عبر الأجيال حتى وقتنا القريب.

ويمكن إجمال الحديث حول هذا الأمر في مسائل:

الأولى: أن الأصل في القراءة الاتباع، فهي سنة متبعة يأخذها اللاحق عن السابق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا كما عُلِّمتُم).

الثانية: أن أقدم وصف مكتوب للضاد وصل إلينا هو وصف إمام النحاة سيبويه رحمة الله عليه في كتابه العظيم (الكتاب)، وكل من جاء بعده ينقل عنه.

ويمكن تلخيص ما ذكره سيبويه عن الضاد في النقاط التالية:

1 - مخرج الضاد، ذكر سيبويه أنها تخرج (من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس). [الكتاب 4/ 433].

فالضاد تميزت بمخرجها، فهي من حافة اللسان من أقصاها، مع ما يقابلها من الأضراس، وكان سيبويه قد ذكر الضاد قبل الجيم حين رتب الحروف، لكنه جعل مخرج الضاد بعد مخرج حروف وسط اللسان (ج ش ي) باتجاه طرف اللسان. [الكتاب 4/ 433].

2 - صفات الضاد. وقد ذكر سيبويه منها: الجهر، والرخاوة، والإطباق، والاستعلاء، والاستطالة. ولكل صفة من هذه الصفات تفصيلات ليس هذا مكان بسطها.

فالضاد التي وصفها سيبويه صوت رخو لا ينحبس النفس في مخرجه، مجهور يتذبذب الوتران عند النطق به، مطبق، مستعل، تميز بالاستطالة.

3 - كل حرف فيه زيادة صوت لا يدغم في ما هو أنقص صوتاً منه. وفي الضاد استطالة ليست لشيء من الحروف فلم يدغموها في شيء من الحروف المقاربة لها، إلا ما روي من إدغامها في الشين في قوله تعالى: (لبعض شأنهم) وسوغ ذلك ما في السين من تفش يشبه الاستطالة يقربها من الضاد. ومن ثم أدغمت اللام والتاء والدال والطاء والثاء والذال والظاء في الضاد، ولم تدغم هي فيها.

4 - الضاد بهذه الصفات التي ذكرها سيبويه صوت متفرد، ولهذا قال سيبويه: (لولا الإطباق ... لخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس من موضعها شيء غيرها).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015