وقد ردد هذا القول المستشرق جولد زيهر كذلك كعادته في تتبع الشواذ من المسائل، ومثل لذلك بمثال، وهو قوله تعالى: (نفس عن نفس) حيث قرأ أبو السرار الغنوي (نسمة عن نسمة).

وهذه قراءة شاذة، لم تثبت قرآنيتها. وقارئها أبو السرار الغنوي من الذين لا يؤخذ لهم في القرآن برأي، ولا يعد قولهم حجة.

ووأود أن أشير هنا إلى مسائل:

الأولى: أن من خير من ناقش حديث الأحرف السبعة من المتقدمين أبو شامة المقدسي رحمه الله في كتابه النفيس (المرشد الوجيز). ومن المتأخرين وجدت فيه كتابات كثيرة للشيخ مناع القطان، والشيخ عبدالعزيز القارئ، والشيخ حسن ضياء الدين عتر والشيخ عبدالله الجديع، ومن أفضل من كتب فيه من المتأخرين الدكتور عبدالصبور شاهين وفقه الله في كتابه (تاريخ القرآن). وهنا مسألة يحسن الختام بها، واعذروني على الإطالة أيها الإخوة فالحديث يسترسل بنا والفائدة هي الغاية وهي المسألة الثانية.

الثانية: وعد العلامة محمود شاكر رحمه الله بإخراج كتاب في موضوع (الأحرف السبعة) أتى فيه بما لم يأت به العلماء السابقون على حد قوله وسيأتي، ولكنه لم يخرجه للناس. حيث قال في مقدمة تحقيقه للجزء السادس عشر من تفسير الطبري:

(وكان من قصة أول ما قطعني عن المضي في إصدار هذا الجزء في ميعاده سنة 1380 من الهجرة، أني كنت حين بدأت نشر تفسير أبي جعفر الطبري، على مثل حد السيف من التخوف لهذا الكتاب الجليل، فأمسكت نفسي عن التعليق على بعض مسائله، مخافة أن يزل القلم، أو يزيغ بي الرأي. وكان مما أمسكت عنه يومئذ ما رآه أبو جعفر في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف). وما قاله في شأن كتابة القرآن على عهد عثمان رضي الله عنهما.

وكان مما زادني إمساكاً عن الكتابة في ذلك أني خفت المؤونة على نفسي يومئذ، وترهبت أن يعوق ذلك طبع الجزء الأول من التفسير ويؤخره زمناً يطول، لأن هذا الفصل من كلامه يقع في مقدمة تفسيره ...

ولما انتهيت إلى هذا الجزء السادس عشر، وقفت على حديث ابن عباس الذي رواه أبو جعفر (رقم: 20410، 16/ 452، وهو: ساق الطبري بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: (أفلم يتبين الذين آمنوا) قال: كتب الكاتب الأخرى وهو ناعس) وقد علق عليه محمود شاكر هناك تعليقاً نفيساً فليراجع)

وهو خبر يتلمس أمثاله أهل المطاعن في القرآن من المستشرقين وأشياعهم من ذوي الألسنة من أهل جلدتنا. ولما دارست الخبر وإسناده، وأردت تخريجه وتوثيقه أو توهينه، انتهى بي الرأي والمدارسة إلى مسألة (نزول القرآن على سبعة أحرف)، وإلى ما كان من كتابة المصحف على عهد أبي بكر، ثم كتابة المصحف الإمام على عهد عثمان رضي الله عنهما، فانفتح لي باب عظيم من تحقيق القول فيهما، أردت أن أجعله مقدمة لهذا الجزء.

فلما أوغلت في المدارسة والتثبت، وبدأت أكتب، اتسع القول وتشعب، واحتاج الأمر إلى الفحص والتفتيش والتغيير والتبديل، حتى صارت المقدمة كتاباً على حدة، لا يمكن نشره في أول الجزء، فرجعت أدراجي بعد أكثر من ثلاث سنوات قضيتها في تمحيص القول في الأحرف السبعة وكتابة المصحف الإمام، إلى حيث وقفت، فعدت إلى إتمام هذا الجزء، ولكن الحوائل من يومئذ قامت بيني وبينه كالسدود، وتتابعت العوائق المقضية في غيب الله، حتى أذن الله بالفرج لأعود إلى إتمام طبعه.

ولكن كان مما ساءني بعد غياب لم أملك أمره ثلاث سنوات أخرى، أني وقفت منذ أيام قلائل على كتاب لأحد أبنائنا، صدر في زمان غيبتي، عن تاريخ القرآن، فوجدته تلقط فيه بعض ما سمعه من قولي في بيان الأحرف السبعة، وفي كتابة القرآن على عهد أبي بكر، وكتابة المصحف الإمام على عهد عثمان، وذلك أني كنت أقرأ يومئذ ما أكتب منه على أصحابنا، التماساً لتصحيح الرأي إن زاغ، لأن أمر القرآن عظيم، ولأني ابتدأت شيئاً لم أر أحداً من علمائنا سبقني إليه بحمد الله وحده.

ولم أكن أتوهم يومئذ أن أمانة المجالس قد رفعت. وليته أحسن إذا فعل ما فعل، وكنت أتمنى له غير الذي اختار لنفسه، وهكذا أهل زماننا أجد الناس اليوم يختارون شر الطريقين).

انتهى كلامه رحمه الله، وليتني أظفر بذلك الكتاب الذي بدأه أو أجد خبره، إذا لسافرت له الأسفار الطوال، فكلام العلامة محمود محمد شاكر وأمثاله ككلام الأئمة المتقدمين أصحاب الرأي الثاقب، الذين قل أن يتكرر مثالهم، وقديماً قال المتنبي:

وأفجعُ مَنْ فقدنا مَنْ وجدنا ** قبيل الفقد مفقودَ المثالِ

وأظن تلميذه الذي أشار إليه هو الدكتور عبدالصبور شاهين، وفقه الله فهو كذلك من كبار العلماء المحققين. وإلى هنا يجب أن أقف، وأستغفر الله من الزلل، وأدعو الإخوة الكرام إلى التعقيب والإضافة فما تركته أكثر مما ينبغي قوله في هذا المقام.

ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[18 صلى الله عليه وسلمpr 2003, 11:18 م]ـ

أشكرك أخي أبا عبدالله على هذا البحث، وجزاك الله خير الجزاء

ومن لطيف الموافقات أنني قرات قبل الأمس في ترجمة واصل بن عطاء رأس المعتزلة في السير 5/ 465 " قيل: كان يجيز التلاوة بالمعنى، وهذا جهل "

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015