ـ[عبد العزيز الرويلي]ــــــــ[28 عز وجلec 2010, 04:00 ص]ـ
دروس من قصة موسى عليه السلام للشيخ الدكتور: سليمان بن حمد العودة حفظه الله
تكثرُ القصصُ في القرآنِ بشكلٍ عام، وفي كلِّ قصةٍ عبرةٌ، وما يعقلها إلا العالمون.
وتحكى قصص القرآن صوراً للصراعِ القديمِ بين الحقِّ المؤيدِ من السماءِ، والباطلُ الذي يلوذُ به الملأُ والكُبراءُ، خداعاُ وعناداُ، واستكباراً وحفاظاُ على الذواتِ ليس إلا، كما كشفَ القرآنُ عن مواقفِ المؤمنينَ وحقيقتهِ وآثارِ الإيمان، ومواقفَ الظالمين ونهايةَ الفجار.
ولئِن كانت القصصُ تشغلُ مساحةً عريضةً في القرآن. فإنَّ قصةَ موسى- عليه السلام- مع فرعون تتميزُ بكثرةِ عرضها وتنوعِ مشاهدها، وهي من أطولِ قصصِ الأنبياءِ- عليهم السلام- في القرآن، فما الحكمةُ من كثرةِ ذكرها؟
قال المفسرون: لأنَّها من أعجبِ القصص، فإنَّ فرعونَ حذَّرَ من موسى كلَّ الحذر، فسخَّرَهُ القدرَ لتربيةِ هذا الذي يُحذرُ منهُ على فراشهِ ومائدتهِ، بمنزلةِ الولدِ ثُمَّ ترعرع،وعقدَ اللهُ لهُ سبباً من بين أظهرهم، ورزقهُ النُبوةَ والرسالةَ والتكليم.
وبعثهُ إليهِ ليدعوهُ إلى الله تعالى، ليعبدهُ ويؤمنُ برسالة الله، وليس لهُ وزيرٌ سوى أخيه هارون- عليه السلام- فتمردَ فرعونُ واستكبر، وأخذتهُ الحميةَ والنفسُ الخبيثة الأبية، وقوي رأسهُ وتولى بركنه، وادعى ما ليس لهُ، وتجرأَ على اللهِ وعتا وبغى، وأهانَ حزبُ الإيمانِ من بنى إسرائيل.
واللهُ تعالى يحفظُ رسولهُ موسى وأخاهُ هارون _ عليهما السلام _ ويحوطهما بعنايتهِ ويحرُسُها بعينهِ التي لا تنام، ولم تزل المُحاجةٌ والمجادلاتُ والآياتُ تقومُ على يدي موسى شيئاُ فشيئاُ، ومرةً بعد مرة مما يبهرُ العقول، ويُدهشُ الألباب، ومما لا يقومُ له شيءٌ ولا يأتي به إلا من هو مؤيدٌ من الله،: ((وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا)) [الزخرف:48].
وصمَّم فرعونُ وملأهُ على التكذيبِ بذلك كلهِ حتى أحلَّ اللهُ بهم بأسهُ الذي لا يُرد، وأغرقهم في صبيحةٍ واحدة: ((فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الأنعام:45).
لقد تعمد فرعونُ قتلَ أبناءِ بني إسرائيل، لأنَّهُ بلغهُ أنَّ غلاماً منهم سيولدُ ويكونُ هلاكُ ملكَ مصر على يديه، فانزعج لذلك وأمرَ بقتلِ كلِّ مولودٍ يُولد لبني إسرائيل حذراً من وجودِ هذا الغلام – ولا يغني الحذرَ عن القدر –.
ومع حرصِ فرعونَ وطُغيانهِ وجبروتهِ، فقد قدرَّ اللهُ أن يُولد موسى- عليه السلام- في السنةِ التى يُقتلُ فيها كلَّ مولودٍ لبنى إسرائيل، وأن ينجو من بأسهِ وقتله، وقد حزنت أمُّهُ حين حملت به خوفاُ عليه وحين وضعته، واستمرَ الخوفُ يُلاحقُها حتى أوحى إليها أن ترضعهُ، فإذا خافت عليه فلتَضعهُ في صندوقٍ ثمَُّ تلقِ به في البحر وسيحفظهُ الله ويردُّهُ إليها، ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)) [القصص:7].
ولكم أن تعجبوا من قدرِ اللهِ وأمواجُ البحر وقد بدأت تقذفُ بتابوتِ الرضيعِ موسى- عليه السلام- ذات اليمينِ وذاتَ الشمالِ حتى أوصلتهُ إلى بيتِ فرعون.
وكأنَّ اللهَ تعالى أرادَ – فيما أرادَ – أن يُظهرَ عجزَ فرعونَ وضعفهِ أمامَ قوةِ الله الجبار وقدرته.
فإذا كانَ فرعونُ يقتلُ الغلمان من أجلِّ هذا الغلام، فها هو الغلامُ يُولدُ ويسلمُ من القتلِ رُغم المتابعةِ الدقيقة، فإذا سلمَ ووصلَ إلى بيتِ فرعونَ دون عناءٍ أو بحث، فهل يستطيعُ الملكُ الطاغيةَ أن يقتلَ غُلاماً مازال في المهد؟
كلاَّ وعنايةُ اللهِ تحيطُ بالغلام، ورعايتهُ سُبحانه تتولاه، وصدق اللهُ: ((إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)) (القصص: من الآية8) وتحققُ وعدِ الله ((فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) (القصص:13).
¥