4 - قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي: (حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانِ بْنِ عفان , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , وَغَيْرِهِمَا , أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا) , وأبو عبد الرحمن السلمي مخضرم من كبار التابعين , ومن أبناء الصحابة , وقرأ على عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبيّ , وتنتهي إليه جُلّ أسانيد القراء المعتبرة , وهو يخبرنا فيما ثبت عنه هنا أن هذه طريقتهم في تلقي القرآن وأداءه؛ الجمع بين اللفظ والمعنى , فيقيمون ألفاظه ومعانيه , وهي شهادة من هذا التابعي الجليل لمنهج الصحابة في تلقي القرآن عن رسول الله صلى الله عليه , وأنهم: يأخذون كل عشر آيات باللفظ والمعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأبو حسان يقول لنا: لا , لم يكن ذلك؛ فلا الصحابة يعرفون جميع معاني القرآن على الصواب , ولا النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لهم جميع معانيه.

فأيهما نُصَدِّق؟

وقال حبيب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمر: (تعلمنا الإيمان , ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً). فهم كانوا يأخذون المعاني أولاً , ثم يأخذون الألفاظ ليضبطوا بها المعاني حتى لا تشِذّ عنهم.

وَقَدْ أقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - وَهُوَ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ - فِي تَعَلُّمِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ , أمّا الحفظ فميسر على من بعدهم فكيف بهم وهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن؟!

5 - كلنا نعلم ونشهد مقدار الجهد والحرص والدقة والتتبع الذي بذله الصحابة في زمن أبي بكر وعمر وعثمان في جمع القرآن وحفظ حروفه , ولا ينكر ذلك أحد , كما يشهد كُلُّ عاقلٍ أن حفظ حدود القرآن ومعانيه وأحكامه التي يقوم بها الدين أجلّ خطراً , وأعظم وجوباً من حفظ حروف القرآن وألفاظه.

فكيف يقول عاقل إن الصحابة حفظوا ألفاظ القرآن وضيعوا معانيه فلم تكتمل لهم على الصواب؟! وبقي بعدهم من معاني الآيات ما لم يعلموه , أو ما لم يبينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين لهم ألفاظه؟!

6 - قَالَ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه: (وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ). فِي حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمُسْتَنَدُ الصحابة فِي مَعْرِفَةِ مُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِهِ وَهَدْيِهِ الَّذِي يُفَصِّلُ الْقُرْآنَ وَيُفَسِّرُهُ.

7 - أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ الَّتِي جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا بَنِي آدَمَ تُوجِبُ اعْتِنَاءَ الصحابة بِالْقُرْآنِ -الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِمْ- لَفْظًا وَمَعْنًى؛ بَلْ أَنْ يَكُونَ اعْتِنَاؤُهُمْ بِالْمَعْنَى أَوْكَدَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ كِتَابًا فِي الطِّبِّ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ النَّحْوِ أَوْ الْفِقْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَاغِبًا فِي فَهْمِهِ وَتَصَوُّرِ مَعَانِيهِ , فَكَيْفَ بِمَنْ قَرَءُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَ إلَيْهِمْ الَّذِي بِهِ هَدَاهُمْ اللَّهُ , وَبِهِ عَرَّفَهُمْ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالْهُدَى وَالضَّلَالَ وَالرَّشَادَ وَالْغَيَّ. فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَغْبَتَهُمْ فِي فَهْمِهِ وَتَصَوُّرِ مَعَانِيهِ أَعْظَمُ الرَّغَبَاتِ؛ بَلْ إذَا سَمِعَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ الْعَالِمِ حَدِيثًا فَإِنَّهُ يَرْغَبُ فِي فَهْمِهِ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ؟!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015