كلما جئنا إلى هذه المسألة خطب فينا أبو حسان خطبة بليغة؛ فيها كل شيء إلا الدليل , وفيها ألوان التهم والتحقير وقلب مقاصد الأولين والآخرين , وألوان التعاظم والتعالي , ممّا يستحي العاقل من قراءته فضلاً عن كتابته.

فإذا انتهى الخطاب رجعت إلى نفسك تفتش عن بحث أو دليل فلا ترى شيئاً.

أدعو كلَّ قارئ منصف إلى قراءة جواب أبي حسان عن هذا السؤال , تجده .. لا جواب.

بل هو من أوّله إلى آخره صراعٌ نفسي مع السلفيين , وخصومة جائرة لا أعلم لها سبباً , ولا أرى لها مناسبة مع السؤال!!

ما أسهل الجواب عن (هل)؛ إما نعم أو لا , ثم اذكر دليلك , ثم فنّد ما تحب.

هكذا أصول البحث العلمي , وهكذا يفعل من يحسن الحوار.

أمّا هنا فلا بحث أصلاً , ناهيك عن (إشباعها بحثاً).

إذا اختلف الصحابة في تفسير الآية على قولين فأكثر، فهل يجوز إحداث قول بعدهم؟

رأي جمهور السلفيين: أن الصحابة إذا اختلفوا في التفسير فإنه لا يجوز إحداث قول بعدهم.

وهذا الرأي قال به جمع منهم، كالإمام أحمد، والآجري، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وابن عبد الهادي، وغيرهم

سأخبرك عن (غيرهم) , وسأكثر عن غير (السلفيين) على تصنيفك:

- قال الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1/ 268: (إذا اختلف أهل العصر في مسألة على قولين، هل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟

اختلفوا فيه: فذهب الجمهور إلى المنع من ذلك، خلافا لبعض الشيعة, وبعض الحنفية, وبعض أهل الظاهر) وبعد حكاية قول الغزالي والقاضي عبد الجبار قال 1/ 269: (والمختار في ذلك إنما هو التفصيل وهو أنه: إن كان القول الثالث مما يرفع ما اتفق عليه القولان، فهو ممتنع لما فيه من مخالفة الإجماع).

- وقال الرازي في المحصول 4/ 159: (إذا استدل أهل العصر بدليل أو ذكروا تأويلا ثم استدل أهل العصر الثاني بدليل آخر أو ذكروا تأويلا آخر فقد اتفقوا على أنه لا يجوز إبطال التأويل القديم لأنه لو كان ذلك باطلا وكانوا ذاهلين عن التأويل الجديد الذي هو الحق لكانوا مطبقين على الخطأ وهو غير جائز , وأما التأويل الجديد فإن لزم من ثبوته القدح في التأويل القديم لم يصح .. وإما إذا لم يلزم من صحة التأويل الجديد فساد التأويل القديم جاز ذلك والدليل عليه أن الناس يستخرجون في كل عصر أدلة وتأويلات جديدة ولم ينكر عليهم أحد فكان ذلك إجماعا).

- قال أبو إسحاق الشيرازي في اللمع في أصول الفقه 1/ 262: (واعلم أنه إذا اختلفت الصحابة في المسألة على قولين وانقرض العصر عليه لم يجز للتابعين إحداث قول ثالث. وقال بعض أهل الظاهر: يجوز ذلك. والدليل على فساد ذلك هو أن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما , كما أن إجماعهم على قول واحد إجماع على إبطال كل قول سواه , فلما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول واحد؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين).

- وقال الغزالي في المستصفى 1/ 388: (إذَا اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ كَحُكْمِهِمْ مَثَلًا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا تُرَدُّ مَعَ الْعُقْرِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى مَنْعِ الرَّدِّ. فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ كَانَ الْمَصِيرُ إلَى الرَّدِّ مَجَّانًا خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ , وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى الرَّدِّ مَجَّانًا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ بِجُمْلَتِهِمْ لَمْ يَخُوضُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا نُقِلَ فِيهَا مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ، فَلَوْ خَاضُوا فِيهَا بِجُمْلَتِهِمْ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْهَبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ مَذْهَبٍ ثَالِثٍ. وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ نِسْبَةَ الْأُمَّةِ إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ إذْ لَا بُدَّ لِلْمَذْهَبِ الثَّالِثِ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ نِسْبَةِ الْأُمَّةِ إلَى تَضْيِيعِهِ وَالْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَذَلِكَ مُحَالٌ).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015